طارق الشناوي يكتب: المخرج وقع هاتوا السكينة

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي


«الشيطان يكمن فى التفاصيل» مفيش كلام، والفن هو التفاصيل لا جدال فى ذلك، وهكذا وبسبب تفصيلة غير مقصودة، وجد المخرج محمد شاكر خضير أبواب الجحيم تفتح على مصاريعها، والسكاكين المسنونة توجه إلى رأسه، ارتكب خطأ ولا شك، ولكن يقينا بحسن نية، الذى هو طريق «الأوتوستراد» للجحيم.

السرعة والصربعة آفة الإبداع، ولا عذر يشفع حتى لو ضيق الوقت، ولدينا محام غاوى شهرة لن يترك الأمر يمر هكذا بدون أن يستثمره لصالحه، من أجل استجلاب مزيد من الضوء، فريق المسلسل اعتذر والقناة اعتذرت، والصورة كانت من خلفية بقايا الإخوان بكلمات على الجدران، عندما شرع المخرج فى التصوير الخارجى لم يلحظ ولا فريق العمل من المساعدين أن فى الخلفية تلك الإشارة، خطأ طبعا لأن عمق الكادر أحد مقومات الرؤية الإخراجية، ليمتلئ النت بعدها بالكثير من التعليقات التى وصلت إلى الدعوة لمقاطعة مشاهدة مسلسل «لا تطفئ الشمس» ناهيك عن المطالبة برفعه من خريطة القناة. هناك فارق بين كادر ثابت وكادر متحرك، ما شاهدناه ويحمل إدانة هو كادر ثابت، لم يلاحظه أحد بدقة أثناء الحركة، لأن سرعة اللقطة 24 كادرا فى الثانية.

أتذكر فيلم «للحب قصة أخيرة» للمخرج رأفت الميهى عام 1986، النيابة العامة للآداب حررت محضرا، وقدمت معالى زايد ويحيى الفخرانى للتحقيق لاتهامهما بارتكاب فعل فاضح، بسبب كادر ثابت للقطة، وقالت إن به خدش حياء، وتدخل العقلاء وقتها وكان د. أحمد هيكل هو وزير الثقافة وعقد اجتماعا فى الحزب الوطنى شارك فيه الكاتب سعد الدين وهبة، باعتباره رئيس اتحاد النقابات الفنية وتم إيقاف التحقيق.

البعض وجد فى اسم الممثل أحمد مالك، صاحب موقعة البلالين أو «الكاندوم»، الفرصة لكى يحيل الأمر إلى موقف سياسى مقصود، حيث سخر مالك فى عيد الشرطة قبل الماضى من عسكرى لا يعرف الفارق بين البالونة والكاندوم، وصوّر الجندى وعرضها على صفحته، نكتة بايخة طبعا ولكن جاء رد الفعل مبالغا فيه، إلى درجة أن الممثل أحمد بدير طالب بحذف كل المشاهد التى جمعته بمالك فى فيلم «هيبتا»، مؤكدا ندمه على التمثيل معه، دائما لدينا هستيريا فى ردود الفعل، رغم أن كل المؤشرات تؤكد أن الأمر عفوى، ثم إن اختيار اللقطة والخلفية مسؤولية المخرج وليست مالك.

ولدينا العديد من المشاهد على هذا النوع من القراءات المتعسفة، المخرج داوود عبدالسيد فى فيلمه «رسائل البحر»، وفى آخر مشهد نجد بطلى الفيلم بسمة وآسر ياسين يتوجهان هربا إلى البحر ويستقلان مركبا صغيرا بعد أن ضاقت بهما الحياة على الأرض.

الإنتاج لم يشتر طبعا مركبا جديدا لتصوير اللقطة ولكنهم أجّروا واحدا، المصادفة أنه مكتوب عليه «القدس». على الفور، نشطت داخل الزملاء الرغبة فى قراءة الفيلم سياسيا، واعتبروا أن داوود يوجه رسالة مباشرة بأن الحل هو الهجرة للقدس وتحريرها من الإسرائيليين.

كان من الممكن مثلا أن تجد المركب مكتوبا عليه «ما تبصليش بعيون راضية بُص للى اندفع فيا».. فهل هذا يعد مثلا مؤشرا على أن آسر دفع الكثير من أجل الحصول على بسمة؟!

لو كان المجتمع يعيش فى لحظة هادئة، لوجدنا الأمر وقد أخذ حجمه الطبيعى، خطأ فنى وقع فيه المخرج، ولكن أمام تفشى ثقافة الصراخ والقفش والقلش، صار من البديهى أن تُرفع السكاكين!