نهال سماحة تكتب: صفاء حجازي ماتت كتير قوي وياما كانت بتخبي وبتداري موتها

الفجر الفني

صفاء حجازي ونهال
صفاء حجازي ونهال سماحة


من سنين شوفتها مع مني الشاذلي في العاشرة مساء، وزنها كان ٥٢ كيلو وبتحكي بمنتهى الرضا والإبتسامة عن الدكتور اللي بتلتمسله العذر إنه أكيد مقصدش يثقب لها المريء وهو بيعمل منظار، شوفتها بتحكي بمنتهي الرضا والإبتسامة عن الإرادة اللي دفعتها وهي من أقوى وأهم مذيعات الأخبار، دفعتها أنها تترك تقديم الأخبار، صفاء حجازي اللي كتب لها الله زي ما كانت من الواحد في المئة اللي اتصابوا بالحالة المرضية اللي نتجت عن الخطأ الطبي ده، زي ما كانت من الاثنين في المئة اللي نجيوا منه، لكن إخلاصها للعمل وحبها الغير طبيعي ليه كان بيخليها تموت كل لحظة وأكتر لحظات الموت تكمن في إصرارها أنها تخفي آلامها.

 

صفاء حجازي كانت خريجة تجارة المنصورة وأنا خريجة تجارة القاهرة، هي مذيعة أخبار وسياسة وأنا كذلك، هي رئيسة قطاع أخبار وأنا رئيس تحرير قطاع أخبار، هي مهمتة بإصلاح الكون وأنا ادعي وأزعم أني لدي نفس الإهتمام، لذلك كنت بنظر لها وبراقبها كأني بستشف مستقبلي لو بقيت علي ذات الدرب بنفس الجدية والدأب، وفي السابق، كنت أتابع صفاء حجازي حتي قبل أن أصبح مذيعة أخبار، ربما منذ طفولتي كنت أجد سعادة في تقليد تعابير وجهها وأناقتها وقت قراءة الأخبار، ثم وصلت حجازي لمسؤولية رئيس اتحاد، وقتها احتفلت وهرعت علي غير العادة أخبر القاصي والداني، وكأن الجميع يعرف قصة متابعتي لها وتأثري بها، فرحت بالخبر وأدركت أنه ثمة قدر يمنح المحاربين فرصة لتصحيح المسارات الكونية المتقاطعة، ليتمكن المحارب الحقيقي من تحقيق هدف نزول آدم كخليفة لله علي الأرض، يجعل كل شيء يسبح في مساره كما فعل الله عز وجل في السماء والأفلاك، وكنت أتساءل هل سيأتي القدر لي بدوري في تلك الحرب لأصلح بالقدر الذي وهبني الله علمه؟! ... لكن الإجابة وردت لي برحيل صفاء حجازي في ختام معركة مع مرض أتي لها أصلا، لأن أحدهم أخطأ في عمله الطبي، وازداد لديها لأنها لا تخطئ ولا تهمل في عملها الإخباري والإداري، بل تتفاني ونفكر فيه كل ثانية.

 

رحلت صفاء حجازي ولم تري بعينيها أي حلم من أحلامها القيمة تتحقق في ماسبيرو، صفاء حجازي التي تخلت عن الملايين التي كانت بإنتظارها في القطاع الخاص، لأجل وطنيتها وإنتمائها لماسبيرو الذي لم يقدم لها ربع ما قدمته له، فلن يعوضها ١٧ عام من الهواء، أدار لهم ظهره بقرار إداري، ولم يرد لها جميل سعيها لإنعاشه، بل ظل ماسبيرو يقول نفسي نفسي، حتي رحلت قبل أن تراه يليق بمصر الحديدية القوية التي تشبه إرادة صفاء حجازي وعزيمتها، ربما هذه هي نقطة الإختلاف الكبيرة التي كانت تغلق جدول المقارنة بيني وبينها، فهي امرأة حديدية وأنا طفلة حتي النخاع، هي دبلوماسية بدرجة سفيرة استطاعت أن تجمع العرب ببرنامجها بيت العرب، بينما أنا لا أفقه في الدبلوماسية شيء بل أخبر الجميع بما يجب أن يعلموه دون أدني رتوش تجميلية، فكيف لمثلي أن تحقق ما لم تنهيه إمرأه مثلها!؟.

 

الإجابة التي أدركتها اليوم، قالتها هي أيضًا في حلقتها ذلك اليوم مع مني الشاذلي، قالت إن تجربتها مع المرض علمتها أن صحة الانسان هي الأولوية الأولي قبل عمله وقبل كل شيء، ثم نسيت هي كل ذلك وبمجرد ما استعادت أقل نسبة من الصحة، عاد العمل لدي صفاء حجازي هو كل شيء، سأموت أنا الأخري، ولا أعرف كيف، لكن لن انتحر مثلها، لن أحارب بصحتي وعمري، لن اهتم بعد اليوم لإصلاح الكون ولا لأي إصلاح، فالإصلاح معركة يكون الموت هو علامة فوز الشرفاء بها، ليذكرهم التاريخ بعد رحيلهم في أسطر قليلة، لا تحمل من الحقيقة شيء.

 

رحيل صفاء حجازي درس ورسالة لي.. أشاركها لمن يهمه الأمر .. الرسالة تقول.. موتك لن يصلح الكون، وعطاؤك دون مقابل لن يفهمه أحد، فهناك من هم أعظم منك وسبقوك إلى منتهى طريقك الذي اخترته، وأسرفوا أعمارهم وطاقاتهم وواصلوا الليل بالنهار، لكنهم رحلوا دون بلوغ رسالتهم.

 

اعتذر لكي صفاء حجازي .. عن كل من لم يفهمك ولم يساعدك وربما كل من حاربك، لأنه كان يري في مكانك فرصة له، بينما كنتي ترين مكانك مسؤولية استحقت منكي أن تصرفي عمرك وصحتك في سبيلها، ولا أجد عجبًا في رحيلك، فالذي علمك هو الراحل عملاق الأخبار أحمد سمير، الذي رحل شابًا لأنه من أصحاب نظرية التفاني في العمل، لو كان كهؤلاء لكان صاحب أهم برنامج توك شو، لكنه رحل شابًا ليترك الدرس الذي نتعلمه دون أن نعمل به، إن العين لتدمع وإنا لرحيلك لمحزونون.