عبد الحفيظ سعد يكتب: "الصفقة القذرة" بين قطر وإيران لنقل 600 إرهابي

مقالات الرأي



الاتفاق جرى فى سوريا والعراق.. مقابل الإفراج عن 26 قطريًا

■ البنود الخفية لاتفاق "البلدات السورية الأربع" يقضى بخروج الإرهابيين الأجانب التابعين لداعش إلى تركيا تمهيداً لشحنهم إلى سيناء عبر ليبيا والسودان


"الصفقة القذرة" أقل ما يوصف به، الاتفاق الذى تم بين قطر وإيران، جرى تنفيذه على الأراضى السورية والعراقية منذ أسبوعين، لكنه كان موجهاً فى الأساس ضد «مصر»، عبر نقل إرهابيين محاصرين فى سوريا عبر تركيا وشحنهم إلى ليبيا والسودان تمهيدا لإدخالهم لمصر. 

الصفقة التى نتحدث عنها اتخذت بعداً إقليمياً بمشاركة دولتين، غير عربيتين إقليميتين، وهما «إيران وتركيا»، بتوجيه مباشر من قطر، فى استباحة لأراضى دولتين عربيتين «سوريا والعراق»، على أن يدفع خسائر الجزء الثانى من الصفقة «مصر وليبيا».

وطبقا لما تناولته الصفقة المعلنة التى كانت محور حديث، وهى المعروفة بالمدن الأربع السورية «الزبدانى، مضايا» فى ريف دمشق والتى كان محاصرة من قبل قوات النظام السورى وتضم مسلحين تابعين لجبهة النصرة وأحرار الشام، بالإضافة إلى قريتى «كفريا وفوعا» والتى كان يقطنها 15 ألفاً من شيعة سوريا ومحاصرة من قبل جبهة النصرة وداعش فى مدينة إدلب بالشمال السورى، والذى تبادلهم على أساس طائفى، هذا على الجانب السورى والذى كانت تدير فيه الصفقة إيران بمباركة وأموال قطرية.

أما على الجانب العراقى من الصفقة، فكانت قطر تسعى للإفراج عن 26 من مواطنيها غالبيتهم من العائلة الحاكمة، تم اختطافهم فى 2015 بصحراء السماوة التابعة لمحافظة المثنى العراقية، على يد ميليشيات عراقيّة «حزب الله العراقى»، وهى مدعومة من إيران.

وذكرت قطر أن هذه المجموعة التى تنتمى للعائلة الحاكمة، كانت تقوم برحلة صيد فى الصحراء العراقية، غير أن تقارير عراقية، تؤكد أن هذه المجموعة على صلة بجهاز المخابرات القطرية، وكانت تتولى عملية التنسيق مع المجموعات التابعة لداعش هناك، ما جعلهم صيدا ثمينا للميليشيا العراقية التابعة لإيران.

ولذلك لم تكتف قطر بالتدخل لدى تنظيم جبهة النصرة الذى يحاصر 15 ألفاً من الشيعة فى «كفريا وفوعا»، ودفع أموالهم لهم، بل تعهدت بدفع مبلغ مليار دولار آخر لميليشيا «حزب الله العراقى» مقابل أن تفرج عن القطريين لديها، وهو ما أثار مؤخرا رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى، وكشف عن الأموال التى دفعتها قطر لميليشيا داخل أراضيه.

وكانت الصفقة مغرية لكل الأطراف، إيران التى ستدعم بشكل غير مباشر ميليشيا «حزب الله العراقى» بمبلغ مليار دولار، كما أنها ستظهر بشكل المدافع الأول عن شيعة سوريا، فى إدلب، بخاصة أنهم محاصرون فى «كفريا وفوعا»، من قبل جبهة النصرة وجيش أحرار الشام.

أما قطر، فكانت عملية تحرير مواطنيها مكسباً مهماً، لها خاصة أن غالبية المحتجزين فى العراق ينتمون للعائلة الحاكمة وطال احتجازهم لمدة تزيد على عامين، كما أن قطر ستحقق مكسباً آخر، فى أنها ستعيد فتح علاقاتها مرة أخرى مع إيران، دون أن تغضب باقى الأطراف الخليجية، خاصة أنها ستبرر تقاربها وتنسيقها مع إيران، بأنها «مضطرة» لإدخال إيران فى الصفقة لأنها الوحيدة التى ستضغط على ميليشيا «حزب الله العراقى» الموالى لها.

ولذلك حرصت قطر- عقب تنفيذ الصفقة- بالإعلان عن تحرير اثنين من مواطنى السعودية ضمن الصفقة كانوا محتجزين أيضا لدى نفس الميليشيا حتى لا تغضب الجانب السعودى فى تنسيقها وتعاونها مع إيران.

 ويضاف للمكاسب التى ستحققها قطر من الصفقة، أنها «تشرعن»، «تعطى شرعية»، لقيامها بتمويل «جبهة النصرة» الموالية لتنظيم القاعدة، وهو تنظيم مدرج ضمن التنظيمات الإرهابية فى سوريا مع داعش، وكانت علاقة قطر وتركيا بها قوية، لدرجة أنهما سعيا للعمل على إخراجها من قائمة التنظيمات الإرهابية خاصة بعد إعلان قائد جبهة النصرة أبومحمد الخولانى انفصاله عن القاعدة، ولكن لاقى ذلك اعتراضاً من الإدارة الأمريكية، بالتصميم على اعتبار النصرة منظمة إرهابية.

ووجدت قطر صعوبة فى تقديم الدعم المباشر إلى جبهة النصرة فى سوريا، بعد الموقف الأمريكى المدعم من روسيا أيضا والدول الأوروبية. ولذلك كانت إتمام ضرورة لدى إيران بأن يتم إرضاء جبهة النصرة بمنحها مليار دولار، مقابل السماح بنقل السوريين الشيعة المحاصرين فى «فوعا وكفريا» فى إدلب، وأيضا السماح لمقاتليها المحاصرين فى ريف دمشق فى «الزبدانى ومضايا». وكان المقابل الذى حصل عليه النظام السورى فى الصفقة، والذى كان مجرد متفرج فيها، هو إبعاد المسلحين من جبهة النصرة وداعش عن ريف دمشق.

لكن كان هناك جزء آخر من الصفقة لم يتم الكشف عنه، وهو المسلحون الأجانب الذين كانوا متواجدين فى «الزبدانى ومضايا» فى ريف دمشق، والذين انضموا لداعش أو جبهة النصرة، اعترض النظام السورى وإيران على نقلهم ضمن باقى المسلحين السوريين وعائلاتهم إلى إدلب أو الرقة، خاصة أنهم ليسوا سوريين، جنسياتهم أجنبية، وبقاءهم فى سوريا يعنى أنهم سوف يشاركون فى القتال ضدها مرة أخرى.

وكان الشعور لدى المسلحين الأجانب فى داعش والنصرة، بأنهم سيتم التضحية بهم فى الصفقة ويكونون صيدا سهلا للنظام السورى والمتحالفين معهم، وكانت طريقة إفشال المقاتلين الأجانب فى داعش والنصرة للصفقة سهلة، وذلك عندما قاموا فى منتصف إبريل الماضى عند بداية تنفيذ بنود الصفقة، بتفجير الشاحنات التى تنقل الأهالى من الشيعة المحاصرين فى «كفريا وفوعا»، وهو التفجير الذى أدى لمقتل 125 من الأهالى الشيعة.

وهدد التفجير الذى تبناه تنظيم داعش بإتمام الصفقة، وهو ما دفع قطر أن تتحرك فى اتجاه آخر والاستعانة بالصديق التركى، وذلك بأن يتم إرضاء المسلحين الأجانب وغالبيتهم ينتمون إلى دول شرق آسيا، بالإضافة لمصريين وتونسيين، وعدد من الجنسيات.

وظهر مقترح آخر يرضى داعش والنصرة ولا يصطدم بالإرهابيين الأجانب، وهو أن يتم نقل هؤلاء الإرهابيين عبر لبنان، عبر الطريق الدولى، على أن يتم تأمين خروجهم، وبعدها يتم نقلهم فى طائرة إلى تركيا، ومن تركيا يتم التمهيد لنقل هؤلاء الإرهابيين وغالبيتهم من داعش إلى ليبيا والسودان تمهيدا لشحنهم إلى مصر عبر الدروب الصحراوية.

ونجد أن هذا الاتفاق لاقى استحساناً ودعماً من الطرفين الرئيسيين فى العملية، قطر التى لا تخفى دعمها للعمليات الإرهابية فى مصر ودعم التنظيمات فيها، وإيران التى لا يضرها شيء من نقل المسلحين الأجانب من سوريا إلى مصر أو ليبيا، كما أن الاتفاق لاقى ترحيباً من الطرف الثالث الذى دخل فى الصفقة، وهو تركيا.

وبالفعل قبل أن يفرج عن القطريين المحتجزين فى العراق لدى «حزب الله العراقى»، تم إخراج 170 من المقاتلين الأجانب «إرهابيى داعش» عبر طائرة انطلقت من بيروت بعد خروجهم من لبنان، وانتقلوا بعدها إلى تركيا، طبقا لما جاء فى موقع «الميادين» التابع للقناة القريبة من «حزب الله اللبنانى» التى لم تكشف كثيرا عن أسرار عملية نقل الإرهابيين من سوريا إلى لبنان ومنها لتركيا.

لكن المعلومات تشير إلى أن هناك عملية إجلاء أخرى تمت لإرهابيين، من سوريا إلى تركيا يقدر عددهم بـ600 مسلح بعد إقناع قطر تركيا، أن محطة الإرهابيين الأجانب فى تركيا ستكون «ترانزيت» تمهيدا لنقلهم لمصر، لداخل تنظيم داعش فى سيناء، وأن نقلهم سيكون متاحاً، سواء عن طريق السودان أو ليبيا، وهو سيناريو تم تنفيذه بالفعل فى مرات سابقة، خاصة بعد 30 يونيو.

ويوضح ذلك الدور الذى تلعبه قطر مع إيران وتركيا فى عمليات نقل الإرهابيين من مكان لآخر، فى البلاد العربية، خاصة بعد أن تحول هؤلاء الإرهابيون إلى ما يشبه مرتزقة «البلاك ووتر» بعد أن تحولوا إلى محترفى قتال لمن يدفع لهم ويوجههم. غير أن الخطورة هذه المرة أن تتحول الصفقة التى تدار فى الكواليس بين البلاد الثلاثة «قطر إيران وتركيا» إلى مصر، وهو ما يشكل علامات التحذير، خاصة أن القضية المطروحة هى زيادة عمليات نقل الإرهابيين من سوريا والعراق فى الفترة المقبلة بعد تضييق الخناق عليهم، سواء فى الرقة السورية أو الموصل العراقية، وأين سيتجه، خاصة أن تشابكهم مع «قطر وتركيا» اللذين جلباهما منذ البداية لسوريا، ما يعنى أنهم يعدونهم لتحرك فى مكان آخر سواء فى مصر أو ليبيا.

ما يدفعنا إلى ضرورة فتح الملف، خاصة أن عملية نقل الإرهابيين من ريف دمشق خارج سوريا، لا تخفى على أحد، واتخذت غطاء بعملية سواء اتفاق البلدات الأربع السورية، والإفراج عن القطريين المحتجزين فى العراق، لكن المقابل بالدم سندفعه فى مصر وليبيا، نتيجة الصفقات القذرة التى تدار فى الخفاء.