منال لاشين تكتب: الطوارئ.. أبغض الحلال

مقالات الرأي



استقبال شعبى حافل


بعد غياب نحو خمس سنوات عاد قانون الطوارئ ليطبق مرة أخرى فى كل مصر. عاد هذه المرة منتصرا. فقد كانت هناك مطالبات شعبية عديدة بعودة قانون الطوارئ. وتكررت المطالبات مع كل حادثة إرهابية بشعة. ولذلك كان من المتوقع أن يتم استقبال عودة الطوارئ باستقبال شعبى حافل بعد كارثة «أحد الشعانين» وتكرار استشهاد المصريين الأقباط فى أعيادهم. واستشهاد ابناؤنا فى الجيش والشرطة.

أعذر كل من طالب بالطوارئ واحتفل بعودتها. فالناس تثق فيما تألفه وتعرفه. وفعليا فقد عاشت مصر أكثر من 35 عاما تحت حكم الطوارئ حتى تحول الطارئ إلى مستمر وصاحب بيت. ولذلك يتصور الكثيرون أن الملاذ من الإرهاب الأسود الذى يهاجم مصر بقوة الآن هو عودة الطوارئ.

ولاشك أن هذا المناخ يدفع المواطن بالترحيب بالتخلى عن بعض حقوقه الدستورية والقانونية طلبا للأمان. وحرصا أن تتوقف العمليات الإرهابية ونحمى الدم المصرى فى كل بقعة على أرض سيناء.

اعتقد أن المعادلة تبدو للكثيرين معادلة عادلة.. الأمن مقابل بعض الحريات حتى تستطيع الأجهزة المسئولة مواجهة الإرهاب بسرعة ويسر. سواء فى الحصول على المعلومات أو القبض أو المحاكمات السريعة الناجزة من خلال محاكم أمن دولة طوارئ.

ولمن نسى مواد قانون الطوارئ أو بالأحرى إجراءاته. فإن القانون يتيح فرض الحراسة على أموال الأفراد والشركات فى حالة الاشتباه فى ارتباطها بالإرهاب أو بتمويل عمليات إرهابية. ويعيد الرقابة الرسمية على الصحف والفضائيات وكل وسائل التواصل الاجتماعى. ويعطى الحاكم العسكرى أو من ينيبه حق المصادرة والإغلاق. كما أن مواد القانون تضع قيودا على حرية الاجتماع والإقامة، وحق إخلاء وعزل بعض الأماكن. والمصادرة لا تقتصر فقط على الأموال بل تمتد على المركبات (السيارات). كما يجوز تحديد مواعيد لإغلاق أو فتح المحال التجارية.

ومعظم هذه الإجراءات غير موجودة فى تطبيق الطوارئ الذى حدث فى فرنسا عقب الجريمة الإرهابية على باريس. وهى الهجمات التى أعقبت فرض الطوارئ فى باريس.

ولذلك فإن المقارنة بين فرض الطوارئ فى مصر وبين فرضها فى فرنسا مقارنة تحتاج إلى إعادة نظر. فلا الطوارئ عندنا هى الطوارئ عندهم، ولا الحريات فى فرنسا مثل الحريات فى مصر.

ومع ذلك فإنه من الموضوعية أن فرض الطوارئ من جانب الرئيس السيسى وإقرارها من جانب البرلمان فى جلسة سريعه يلقى قبولا شعبيا طلبا للأمان.

ومن هذا المنطق يمكن أن أتفهم ضرورة إعادة الطوارئ خاصة أن استهداف الأحد الماضى كان خسيسا وبشعا وحاول أن يطول رأس الكنيسة البابا تواضروس.

ولكن هناك فارقا بين اللجوء للضرورة مع اليقين بأنه دواء مر، وبين الترويج لأنه لا يمكن لمصر أن تعيش بدون طوارئ.

ففرض الطوارئ أو بالأحرى عودتها مثل الطلاق مباح ولكنه أبغض الحلال. والعودة للطوارئ يجب أن تكون مؤقتة لأن فرض حالة الطوارئ فى الدستور هو حالة مؤقتة. ويجب أن نكون جميعا حكاما ومحكومين.. حكومة وأهالى على ألا يطول تطبيق الطوارئ من ناحية. وأن يتم تطبيقه بأقصى درجات الحرص على ما تبقى من الحريات للمواطنين والإعلام. وهذا هو جوهر التحدى عند تطبيق حالة الطوارئ فى أى بلد أو أى نظام.

ولذلك لم أبلع تعديل اللجنة التشريعية بالبرلمان القانون لإباحة احتجاز المشتبه، ليس من باب أن هذا التعديل قد يوصم القانون بعد الدستورية فقط. لكن لأنه تعديل يعكس رغبة تشريعية فى التوسع فى إجراءات الطوارئ. ويشى برغبة مستقبلية باستمرار الطوارئ رغم الحظر الدستورى.

رغم كل الأحزان والغضب لا يجب أن نندفع إلى الطوارئ ونهتف بالأحضان بالأحضان يا حبيبتى يا غالية بالأحضان.