محمد مسعود يكتب: فى حب مصر.. نعشق الحياة

مقالات الرأي



تصوير: ياسمين يحيى - هادي كرم

لن يكرهونا على الحزن والخوف.. ولن نغرق فى بحور دموعنا


ربما كانت حادثتا "الأحد الحزين" بالكنيسة المرقسية بالإسكندرية، وكنيسة القديس مار جرجس بطنطا، هى كلمة الفصل فى الحرب على الإرهاب الأسود الذى أودى بحياة العشرات من المصلين الأبرياء فى أعيادهم.

قطعا، حزنت مصر على شهدائها، منا من ذرف الدموع، ومنا من عانى الضيق والهم والاكتئاب، ومنا من زفهم بالزغاريد والدموع إلى السماء.. ليلحقوا بسابقيهم من شهداء مصر على مر العصور.

وهناك من تمسك بعشق الحياة، هؤلاء - فقط - حاربوا الإرهاب على طريقتهم، فمجرد ممارسة الحياة بصورتها الطبيعية، يعد هزيمة ساحقة لمجرمين.. حرضوا القلوب على الحزن وأكرهوا النفوس على الخوف.

ليس للإرهاب هدف، سوى تعكير الصفو، إسكان الخوف فى نفوس آمنة، والترويع والإكراه على نمط حياة مسكونة بأشباح التهديد وشياطين التنفير، الهدف هو تضييق الخناق، وقتل متعة الحياة، وحلاوة الروح، بغية تحقيق أهداف لا تجيزها القوانين المحلية أو الدولية.

الإرهابى شخص فشل فى تحقيق أهدافه بطرق سلمية، مشروعة، فهزم، وانعزل، وتراجع، وتوارى، وعندما خطط.. لم يجد ملاذا، سوى العنف.. انتقاما من الدولة، ورغبة فى إذلالها، وهو ملاذ الضعفاء، فأيا كانت قوة من استخدم السلاح، متخفيا، أو متسللا، مخططا، أو منفذا، فهو أضعف من شخص واحد أعزل، يكمن سلاحه الوحيد بين عقله ولسانه.


1- حرب الضعفاء ضد الأقوياء

ليس هناك أضعف من الإرهاب رغم مرارته، فهم أشخاص جبناء، لا يملكون جرأة المواجهة، أو شجاعة الدخول فى حروب معلنة، عدو مبين، اختار أن يسفك دماء الأبرياء، لممارسة الضغوط بشدة على الدولة للإذعان لمطالب أو أيديولوجيات محددة.

أفكار راديكالية ومحفوظة، تحركها أمواج تهدأ أو تثور، إلى أن تتلاشى تماما، فلن ينجح الإرهاب فى كسر دولة تعودت أن توزع إرادتها على الجميع، دولة ولدت وبقيت وستظل كبيرة، رغما عن أعدائها، ورغما عن الشدائد، والمكائد، والمصائب، والمؤامرات التى تحاك ضدها.

لن تهتز مصر من هجمة إرهابية خسيسة، أو مؤامرة من دول معادية صغيرة أو كبيرة عربية أو غربية.. فمصر، وبالتاريخ.. لا يكسرها إرهاب، ولا يذلها عدو.

والمؤكد أن الحرب على الإرهاب، لن تكون حربا تقليدية، وإنما هى نوع جديد من الحروب، حرب الضعفاء ضد الأٌقوياء كما قال الرئيس الماليزى الأسبق مهاتير محمد فى خطبته عام 2004، ليبقى انطلاق الكلاشينكوف دليلا على عجز الحروف، وصوت الطلقات يعبر عن قصور الكلمات كما قال المفكر الراحل فرج فودة الذى اغتالته يد الإرهاب الغاشم.


2- بيوت العنكبوت

لن يحارب الإرهاب بطلقات الرصاص، ولا بإعلان الحرب عليهم وقتلهم جميعا، وإنما الحرب على الإرهاب، لا بد أن تبدأ من الذات، أن تعلن ذاتنا الحرب على الإرهاب، بألا نسمح أن نتقهقر ونرقد فى بيوتنا سابحين أو غارقين فى بحور دموعنا، ألا تتوقف بنا عجلة الحياة عن دورانها، وأن نكون تروسا صدئة فى عالم مستمر، رغم كل ما عانيناه وما سنعانيه.

الحياة، هى السلاح الأقوى والفتاك فى الحرب على الإرهاب، مجرد الحياة بشكل طبيعى، لا يخلو من المتعة والألم، اليأس والأمل والفرح والحزن، سنصلى فى كنائسنا ومساجدنا، ولن نهجر بيوت الله، ونبقى نسيجًا واحداً، لا يخترقه عدو أو تمزقه خانة ديانة، لن نخون الوطن ونخذله بالتوارى والخوف، فتركيبة الشعب المصرى المدهش، أنه شجاع، وقادر، وصلب، وغير قابل للكسر أو الانحناء.

أما من ينتهج الإرهاب، فلينتهجه، أما نحن فلن نتوقف عن الحياة.. وسنواجههم بما أوتينا من رغبة العيش، ونهزمهم بالحب والتكاتف بين الجميع.. وقتها سنهدم قلاعهم فوق رءوسهم فقلعة الإرهاب وإن كانت تبدو حصينة فهى ضعيفة كبيوت العنكبوت.