د. رشا سمير تكتب: وهو يا سوريا ده الموضوع..

مقالات الرأي



(منذ أيام النبى العربي.. والشام تتكلم عربى ومنذ أيام معاوية وهشام ومروان.. حتى أيام حافظ الأسد ومنذ موقعة بدر.. حتى موقعة جبل الشيخ.. والشام مواظبة على تكلم اللغة العربية وعلى تعليمها، إن صناعة دمشق الأساسية هى العروبة)..

تلك هى كلمات الشاعر السورى المبدع نزار قبانى عن وطنه سوريا.. الكلمات التى تؤكد على أن الأرض بتتكلم عربي.. وسوريا تتحدث العربية.. ولكن بكل أسف هى تتحدث إلى قوم صُم لا يسمعون وبكم لا يفهمون!..

هل من حق الرئيس السورى أن يقتل شعبه كل يوم ويعرضه للتهجير والمهانة بلا حساب من العالم، من منطلق أنه يدافع عن الأرض؟

هل يحق لأمريكا أن تتدخل لحسم صراع هى الطرف الأكبر فيه والمستفيد الأول من وراء خسائره؟

هل يحق للرئيس الروسى فلاديمير بوتين ونظيره الإيرانى حسن روحانى أن يتوعدان بالرد على أى هجوم أمريكى ويؤكدان دعمهما لوطن عربى لا يملكون حق تقرير مصيره؟..

ألف هل وهل؟ بلا إجابة واحدة!..

مازالت كل الأطراف تتصارع على أرض الياسمين.. ولايزال الرابح الوحيد هو الكيان الصهيونى القابع هناك فى تل أبيب يرقب ويبتسم فى انتظار اللحظة المواتية لينقض على الفريسة بعد أن تفرفر لينهشها ويتلذذ بخيراتها!.. وما أشبه الليلة بالبارحة!..

خلال السنوات العشر الأولى من رئاسة صدام حسين للعراق كان الرجل حليفا للولايات المتحدة وقد تلقى دعما عسكريا وسياسيا كاملاً خلال حربه مع إيران وتلقى الأسلحة البيولوجية والكيماوية التى اُستخدمت ضد الإيرانيين، كما حصل على إعانات حربية فى مجزرته ضد الأكراد بالغاز الكيماوى عام 1988، هكذا دعمت الولايات المتحدة صدام حسين ثم ما لبثت أن انقلبت ضده بعد أن بدأ يخرج عن السيطرة ولم يعد يخدم مصالحهم، فاستغلت الحكومة الأمريكية لاحقًا كل الجرائم التى ارتكبها صدام حسين بموافقة ومعاونة منها لإثارة الرأى العام ضد العراق.

لم تنته جريمة العقوبات الاقتصادية التى حطمت الشعب العراقى بفرضها عليه، إلا بعدما بدأت جريمة أخرى تضمنت سحقا شاملا للعراق سياسيًا واقتصاديًا، فحدث الغزو الأمريكى بحجة أن صدام يمتلك أسلحة دمار شامل تهدد أمن أمريكا، وعندما اتضح أن صدام حسين لا يمتلك أسلحة دمار شامل وأنه لا يوجد شيء يربطه بالقاعدة، تغيرت الحجة إلى كون صدام حسين ديكتاتورا ظالما يجب إطاحته لتحرير شعب العراق من قبضته..

تعددت الأسباب.. والنهاية واحدة.. انتهت العراق.. وحان الوقت على سوريا لتقديم القرابين السياسية، وبدأت لعبة الكيماوى من جديد.. وبدأت أمريكا فى عزف نفس النغمة القديمة ولكن هذه المرة العزف يأتى من قيثارة ترامب وليس جورج بوش!.. بوش الذى وقف بكل تبجح يعلن أن الغزو الأمريكى للعراق (إنجاز عظيم)!.

انقسم الشعب السورى كعادة كل الشعوب العربية إلى فريقين.. فريق مع بشار يرى أنه رجل حكيم يدافع عن الأرض حتى لا تقع فى أيدى المنتفعين، وفريق يراه ديكتاتورا ظالما لا يفرق كثيرا عن والده.. فريق يقسم أنه يضرب الأطفال بالكيماوى.. وفريق يحلف بكل الأيمانات أن الكيماوى يُضرب من أسلحة المعارضة بمساعدة الغرب..

وما بين الحقيقة والسراب.. وما بين المسموح والممنوع.. وما بين القصف والهدنة.. يقف أطفال سوريا تائهين بعيون زائغة يبحثون عن ذويهم وسط أنقاض الصواريخ.. ويجرى الآباء يفتشون عن جثث أطفالهم تحت الركام.. وتتشح النساء بالسواد يلطمن الخدود ويبحثن عن أطلال بيوت كانت تأويهن وراحت تحت دوى القنابل..

مازالت أمريكا تبحث عن مصالح دولة صهيون.. ومازالت بريطانيا تسير فى ركاب أمريكا.. ومازالت روسيا تناطح من أجل سيادة العالم.. ومازالت إيران التابع الوفى لروسيا ومازالت قطر الصغيرة تطمح فى دور كبير.. ولايزال العرب ينفقون أموالهم على الأزياء والسوشى ويتصفحون عناوين جرائد الصباح على شواطئ الكاريبى شاجبين، منددين، آسفين.

ومازالت سوريا تحتل العناوين الرئيسية لكل القمم العربية.. ومازالت إسرائيل تنتظر وتنتظر، هى إذن سياسة النفس الطويل والبقاء للأكثر نفوذا، ودولة صهيون من النيل إلى الفرات مازالت الحُلم..

الحقيقة أن ما يحدث على أرض سوريا لم يعد شيئا باستطاعة أى إنسان تفسيره أو فهمه، ببساطة لأن كواليسه السياسية من أحقر ما يكون، حرب يدفع ثمنها البشر..

وهو يا سوريا ده الموضوع.. وطن بيموت علشان الكل مش سامع.. مش فاهم.. مش حاسس!..