أحمد فشــير يكتب: "وأسيب حقى ليـه؟!"

ركن القراء

أحمد فشير
أحمد فشير


 

 

"وأسيب حقى ليه" كلمات صاحت بها سيدة سبعينية أثناء حديثها مع مواطن استغرب ذهابها من منطقة "الدويقة" إلى منافذ التموين فى "باب الشعرية" لصرف مستحقاتها التموينية البسيطة، والتى لا تزيد عن "زجاجة زيت واتنين كيلو أرز أحدهما ضمن التموين والأخر مقابل فرق نقاط الخبز".


 وضحك هذا المواطن، بعد أن بررت "سيدة الدويقة" سبب ركوبها أحد "اتوبيسات" النقل العام ذات اللون الأزرق حيث جلست فى أرض "الأتوبيس" حاضنة "التموين" وتفاجئت بشدة حينما طلب منها "الكمسرى" جنيهان ثمن التذكرة، وندمت أنها تسرعت ولم تركب "أتوبيس" أحمر اللون تذكرته بجنيه واحد، حتى تدخر الجنيه الأخر تسد به خانة فى ظل هذه الظروف الصعبة، رغم نفاذ صلاحية الجنيه. 

 

واعترضت "سيدة الدويقة" على تعليق المواطن الذى أجرى حديثًا معها قصت فيه مشوارها الصعب  للحصول على مقراراتها التموينية، قائلاً لها: " طيب ما تسيبيهم وخلاص"، فردت عليه"السبعينية" بكامل الثقة وكأنها ترتدى ثوب المحاماة مدافعة عن نفسها: "وأسيب حقى ليه "، ثم عاد من جديد يسألها عن قلة مستحقاتها التموينية، فردت: " ماهو فرد ..بطاقة فرد ..ولادى اتجوزوا الحمدلله وانفصلوا كل واحد عمل بطاقة لوحده"، مختتمة حديثها بعد أن ارتسم على وجهها علامات الرضا وكشفت عن المتبقى من ثناياها، متنفسة الصعداء: "الحمد لله ..رضا". 

 

ظللت أتابع المشهد عن كثب وبتركيز كامل، حتى خشيت أن تلاحظ "السبعينية" اهتمامى وإنصاتى إلى حديثهما، ومضيت أنظر إلى الزيت والأرز وجلستها على الأرض وأتخيل هذه السيدة ونظائرها ممن هم أشد منها ضنكًا وفقرًا  وتعبا.. فاللهم حيلة لمن لا حيلة له.

 

والواقع الذى نعيش فيه، ليس ببعيد عما أذكره فى هذه السطور، حيث يوميًا نصادف سيدات ورجال ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وصفعتهم قرارات الاصلاح الإقتصادى الأخيرة، وعمق جراحهم ارتفاع الأسعار فى ظل دخولهم التي لم تتغير، فأصبح المواطن لا ينام من التفكير ليس فى مستقبل أبنائه؛ لا فى شراء سيارة جديدة ولا عقار فى منطقة أرقى مما هو فيها، ولكن فى تدبير "قوت" يومه، بعد أن أصبحت ضروريات الحياة لمن استطاع إليها سبيلا. 

 

 

لذا يجب علينا أن نتنبه جيدًا أننا فى أشد الحاجة إلى العدالة الاجتماعية والتكافل، فكفة الميزان ما زالت لم تُعدل إلى الآن رغم ثورتين كان سبب إندلاعهما تحقيق العدالة التي مازالت مفقودة، فلابد أن ينظر الغنى إلى الفقير فإذا كان ليس لديه نظر، يجب علينا أن نرغمه النظر وأن نعد الأمور إلى نصابها من جديد قبل أن تنفجر فينا وتصبح أشد خطرًا من الإرهاب.


للتواصل مع الكاتب: [email protected]