البورصات المرشحة للفوز باكتتاب "أرامكو" ترسخ قوتها عالميا

السعودية

أرامكو - أرشيفية
أرامكو - أرشيفية


قال محللون دوليون، إن طرح جزء من أسهم "أرامكو" في الأسواق العالمية ستكون له تداعيات بعيدة المدى على السوق العالمية، مشيرين إلى أن أي بورصة سيتم تسجيل أسهم "أرامكو" فيها ستترسخ مكانتها كبورصة دولية لعقود طويلة مقبلة.

 

وتوقعوا أن يشهد الطرح تنافسا محموما بين البورصات العالمية للفوز بالاكتتاب ما يجعل الرياض قادرة على فرض شروطها في عملية طرح وصفوها بصفقة القرن.

 

وأبرز تلك الرغبات الدولية تجلت خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لليابان أخيرا، إذ لم يتوقف الأمر عند حدود التماس كبار المسؤولين اليابانيين قبول الرياض بأن يكون لبورصة طوكيو التي يتجاوز الإجمالي السوقي لرأسمالها خمسة تريليونات دولار، حصة أيا كانت نسبتها من أسهم شركة أرامكو عندما تطرح في البورصات العالمية، بل إن رئيس الوزراء الياباني التمس شخصيا من الملك سلمان بن عبد العزيز دعم رغبة اليابان في هذا الشأن.

 

وكانت الصحف اليابانية قد أكدت أن خادم الحرمين الشريفين وعد بالنظر في الأمر، وجاء في البيان المشترك للزيارة بأن "أرامكو" وبورصة طوكيو سيدرسان تشكيل مجموعة مشتركة لبحث الأمر.

 

"الاقتصادية" استطلعت آراء مجموعة من المحللين الدوليين في بورصة لندن، وعدد من الاقتصاديين حول الأسباب التي تدعو البورصات الدولية إلى التنافس الشديد على أسهم "أرامكو"، وما الاستراتيجية المتوقع أن تتبناها السعودية عندما يحين موعد طرح أسهم الشركة في البورصات الدولية، وما هي البورصات المتوقع أن تنال نصيب الأسد، ما يعتبره البعض صفقة القرن.

 

ويعتقد جيمس هارمن أحد كبار المحللين الماليين الاستراتيجيين في بورصة لندن، أنه ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية لم تشهد البورصات الدولية مثل هذا التكالب على أي طرح لأسهم أي شركة من الشركات الدولية مهما بلغ حجم رأس مالها أو قيمتها في الأسواق الدولية.

 

ويقول لـ"الاقتصادية"، "إن هناك ثلاثة عوامل متداخلة تجعل البورصات الدولية تتصارع على أن تسجل أرامكو أسهمها لديها، من أهمها أن أي بورصة سيتم تسجيل أسهم أرامكو فيها ستترسخ كبورصة دولية لعقود طويلة مقبلة، وأي بورصة دولية سيتم تجاهلها في هذه الصفقة، سيتشكك المستثمرين الدوليين في كونها بورصة عالمية".

 

والعامل الثاني أن بعض البورصات مثل بورصة اليابان، وفي ظل المنافسة الشرسة مع كل من بورصة سنغافورة وهونج كونج ستكون في أمس الحاجة إلى الحصول على نصيب كبير من أسهم "أرامكو" عند الطرح، لترسيخ نفسها باعتبارها البورصة الآسيوية الرائدة".

 

اما العامل الثالث الذي يجعل البورصات تتصارع على تسجيل أسهم "أرامكو" لديها، فتتمثل في أن المرحلة الأولى من طرح أسهم "أرامكو" لن تتجاوز 5 في المائة من قيمتها، أي ما يقدر بـ100 مليار دولار أمريكي، وهذا يعد أكبر طرح حتى الآن في تاريخ البورصات العالمية، وهذا المبلغ سيولد موجة ضخمة في الأسواق عبر العالم، وسيكون لها تداعيات بعيدة المدى على السوق العالمية.

 

ويعتبر الدكتور كولن اسبندر أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة ليدز، أن منافسة البورصات العالمية في محاولة إقناع الرياض بتسجيل أسهم "أرامكو" لديها، ينبع من إدراك المسؤولين في تلك البورصات أن الاقتصاد العالمي قبل عملية التسجيل يختلف بشكل جذري عن مرحلة ما بعد التسجيل.

 

وأكد أن مقارنة بسيطة يمكن أن توضح أسباب التنافس الراهن، فالولايات المتحدة الأمريكية أكبر اقتصاد في العالم، تعهد رئيسها باستثمار تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي العملاق، هذا التعهد وعلى الرغم من أنه لم ينفذ حتى الآن، أحدث هزة في أسعار العديد من المعادن، وترك بصمات واضحة على اقتصاديات البلدان المصدرة لها، ورفع من معدلات النمو، فما الذي يمكن أن يحدث في الأسواق في صفقة تبلغ في اقل تقديراتها تريليوني دولار.

 

ويضيف "تنافس البورصات على تسجيل أسهم "أرامكو" لديها، لا يستهدف الشركة والأرباح التي ستتحقق من عملية طرح أسهمها فقط، ولكن الجميع يعلم أن تلك الخطوة ستفتح له آفاق الاقتصاد السعودي الواعد، خاصة في ظل التوقعات الدولية التي ترشح أن تقوم "رؤية المملكة 2030"، بإحداث طفرة في الاقتصاد السعودي تؤدي إلى نقلة نوعية جديدة من التطور الاقتصادي".

 

في هذا الإطار تحديدا يعتقد ين سميث المحلل المالي في بورصة لندن، أن عملية التنافس الحاد بين البورصات العالمية لتسجيل أسهم "أرامكو"، يرمي أيضا إلى دعم العلاقات المستقبلية بين البورصات الدولية مثل نيويورك ولندن وطوكيو وهونج كونج مع البورصة السعودية التي تبلغ قيمتها السوقية الإجمالية 400 مليار دولار لتكون بذلك الأكبر في الشرق الأوسط.

 

ويصبح التساؤل الآن ما هي النسب المتوقع أن تقوم السعودية بتوزيعها على البورصات الدولية المختلفة، الإجماع الراهن يشير إلى أن بورصة نيويورك أكبر بورصات العالم وأكثرها أهمية، ستحظى بنحو 55 في المائة من أسهم "أرامكو".

 

ويعتبر الخبير الاستثماري هنري ديفيد أن ذلك منطقيا للغاية، في ضوء القوة التي تتمتع بها بورصة نيويورك بين البورصات العالمية، والعلاقات القوية التي تربط واشنطن والرياض، والأهم من ذلك أن كبريات شركات النفط في العالم مقرها الولايات المتحدة، كما أن نصيب بورصة لندن باعتبارها ثاني بورصات العالم من حيث القوى سيكون ملحوظا.

 

لكنه يؤكد أيضا أن آسيا تعد عملاقا صاعدا في مجال استهلاك النفط، لكن السؤال الذي قد يتطلب من المسؤولين السعوديين العمل على البحث عن إجابة عنه، سيتعلق بنصيب البورصات الآسيوية المختلفة من حصة شركة أرامكو، إذا قررت الرياض تسجيل حصص الشركة في أكثر من بورصة عالمية، فاليابان التي طالبت رسميا بتسجيل جزء من حصة الشركة السعودية في بورصة طوكيو لا تعد شركاتها من الشركات العملاقة في مجال الطاقة، وإنما في مجال التكنولوجيا.

 

بينما الصين إحدى القوى التي تمثل تحديا للولايات المتحدة في مجال الطاقة، تعد بورصة هونج كونج أقل قدرة من بورصة طوكيو، كما أن هناك بورصات آسيوية أقل شأن مثل بورصة سنغافورة تطمح في أن تنال نصيبا ولو كان محدودا من أسهم شركة أرامكو.

وفي ظل تلك التطورات يعد من أبرز المكاسب التي ستحققها الرياض من تهافت البورصات الدولية على أسهم عملاق النفط العالمي "أرامكو"، هي قدرة المسؤولين السعوديين على فرض شروطهم على تلك البورصات.

 

وقال الدكتور جوزيف هاتون أستاذ النظم الاستثمارية في جامعة بليمث إنه لكل بورصة مجموعة قواعد منظمة للعمل فيها، وفي كثير من الأحيان تصطدم تلك القواعد مع مصالح الشركات الراغبة في طرح أسهمها في تلك البورصة، ما يدفع تلك الشركات إلى تقديم بعض التنازلات، وفي الحقيقة فإن تلك التنازلات تمثل خسارة مالية لتلك الشركات، متوقعا أن ينتفي هذا الأمر في حالة شركة أرامكو، حيث إنه مهما كانت قوة البورصة فإن صفقة بقيمة 100 مليار دولار ستجعل المسؤولين مستعدين لتقديم تنازلات لضمان تسجيل أسهم "أرامكو" لديهم، ما يعني تحقيق المزيد من الربحية بالنسبة للرياض نقلًا عن صحيفة الإقتصادية.