منال لاشين تكتب: معارك طارق عامر بعد شهر العسل

مقالات الرأي



■ محافظ البنك المركزى سيواجة أزمات رفع الفائدة داخل البرلمان وخارجه

■ غلق "أصوات مصرية" يفتح ملف أزمات التمويل فى الإعلام

■ كبار رجال الأعمال يهددون المركزى لعدم رفع الفائدة

■ منح البنوك قروضا إسلامية للحفاظ على أرباحها

■ أزمة انهيار شهادات قناة السويس بعد التضخم


يبدو أن أياما ومعارك صعبة تنتظر محافظ البنك المركزى طارق عامر بعد عودته من رحلة شهر العسل مع زوجته الجديدة وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد فى ألمانيا

بعد العودة سيكون على المحافظ أن يواجه العديد من الملفات الساخنة جدا، ملفات تتعلق بقضايا أو توابع ما بعد التعويم.

فبعد أكثر من أربعة أشهر على قرار أو بالأحرى انقلاب التعويم، ظهرت مشكلات كبرى تتطلب قرارات وإجراءات حاسمة وسريعة.

وبكل موضوعية فإن قرار التعويم الذي يعود ببعض الثمار الإيجابية على رأسها تحسن صورة مصر الاقتصادية فى العالم، كل يوم تظهر شهادة أو إشادة عالمية جديدة لصالح التوجه الذى اتخذته مصر من ناحية، وتحسن صورة مصر الاستثمارية من ناحية أخرى، كما ترصد التقارير والإشادات الدولية بدء الاستثمار الاجنبى غير المباشر على العودة لمصر، واستعداد الكثير من المستثمرين وصناديق الاستثمار العودة لمصر فى 2017 كواحدة من أفضل واجهات الاستثمار فى المنطقة.

كما أن معدلات تدفق الدولار على البنوك كقنوات شرعية زاد بنسب معقولة وإن كانت أخذت فى الثبات فى شهر يناير، وهذا الأمر حسن من قدرة البنوك على توفير الدولار للمستثمرين لاستيراد السلع ومستلزمات الإنتاج، بحسب بيانات البنك المركزى فإن البنوك منذ التعويم وفرت نحو 21 مليار دولار للاستيراد بكافة أنواعه.

ثمة مؤشرات أخرى على بدء تحسن الأحوال قد لا تلفت الانتباه، من هذه المؤشرات زيادة استهلاك مصر من السولار وهو أحد مؤشرات زيادة الحركة الاقتصادية من خلال قياس مؤشر النقل.

ولكن هذه المؤشرات الإيجابية والشهادات الدولية لا يجب أن تغرقنا فى وهم أننا فى أحسن حال، أو حتى اننا نتحسن بشكل تلقائى لمجرد تعويم الجنيه أو ننسى الكوارث الحالية أو توابع التعويم وعلى رأسها التضخم، والتضخم أو بالأحرى استهداف تحجميه هو أحد أهم مهام البنك المركزى، والتضخم لا يرتبط بالمواطن وارتفاع الأسعار فقط، ولكنه يرتبط أيضا وبشكل أساسى بالودائع فى البنوك ومعدلات الفائدة على الودائع، ويرتبط أيضا بالمستثمرين الذين يقترضون من البنوك لإقامة مشروعات، ويقترن أيضا بعجز الموازنة من خلال سندات وأذون الخزانة التى تصدرها المالية، وتعتمد عليها الحكومة فى معظم مشروعات البنية الأساسية، وكل هذه القضايا تمثل معارك جديدة وحادة أمام البنك المركزى ومحافظه.


1- الفائدة والتضخم

بعد التعويم مباشرة رفع المركزى سعر الفائدة على بعض الودائع لتصل إلى 20% فى البنوك العامة والبنوك الخاضعة للمال العام للودائع لعام ونصف العام، وظهرت شهادة أخرى على ثلاث سنوات بـ16%، وذلك لمواجهة التضخم والحد من ظاهرة الدولة (التحول للدولار) وحتى لا ينهار قيمة الجنية أو بالاحرى قدرة الجنيه على شراء سلعة أو خدمة.

وفى تلك الفترة كان رقم 20% رقما جاذبا للمصريين، وحققت الشهادات أكثر من 100 مليار جنيه فى وقت قياسى.

ولكن مع استمرار ارتفاع أسعار السلع والخدمات بطريقة جنونية ووصول التضخم إلى مستويات قياسية لم تعرفها مصر منذ 40 عاما، فقد وصل معدل التضخم إلى 30%، وبهذا المعدل لم تعد فائدة الـ20% جاذبة للمصريين، وأصبحت الودائع بالجنيه تتآكل تحت ضغط التضخم، وبات من المنطقى والعادل جدا رفع جديد فى أسعار الفائدة بعد ضعوط التضخم غير المسبوقة على الجنيه.

والحديث أو بالاحرى المطالبات برفع سعر الفائدة سابقة على سفر محافظ البنك المركزى لألمانيا.

ولكن وصول التضخم لمستويات قياسية حولت هذه المطالبات إلى ضرورة حتمية، ليس لأن 10 ملايين مودع يخسرون أموالهم الآن، ولكن لآن هذا الوضع قد يعيد المصريين إلى مغامرات النصابين والمستريح وزملائه، ويهدد هذا الوضع باللجوء إلى نصابين التجارة الوهمية بالدولار، وهذا النوع من النصب كلف مصر نحو مليار دولار فى عام واحد، إذن التأثير لم يتقصر على المواطنين فقط، ولكنه سيزيد الضغط على الدولار.

ولكن زيادة الفائدة على الودائع ستزيد من عجز الموازنة، لأنها سترفع تكلفة سندات وأذون الخزانة التى تحصل عليها المالية من البنوك، وزيادة عجز الموازنة يخل باتفاق مصر مع صندوق النقد، لأن أساس الاتفاق أو هدفه الرئيسى هو نجاح مصر فى خفض عجز الموازنة.

وقد تتحمل المالية أو الحكومة عجزا جديدا فى الموازنة نتيجة رفع سعر الفائدة، ولكن مشكلة طارق عامر ستكون مع المستثمرين وكبار رجال الأعمال، فقد اتفق بعض كبار رجال الاعمال منذ أسبوعين علي توحيد موقفهم ضد رفع جديد فى سعر الفائدة، والحجة الجاهزة لكبار رجال الاعمال أن اى رفع جديد فى سعر الفائدة سيؤثر على الاستثمارات وإقامة المشروعات الجديدة أو توسعات المشروعات القائمة، وتزيد من تكلفة المشروعات على المستثمر، وتزعم هذه الفئة من كبار وحيتان السوق أنها تحقق خسائر كبرى الآن، وان زيادة سعر الفائدة ستكبدهم خسائر فادحة، وستصيب الاستثمار فى مقتل.

ولكن بعضاً من كبار رجال الاعمال لم يكتفوا بالجلسات والاجتماعات الخاصة فقط أو حتى بتجنيد بعض العاملين بالإعلام لشن حملة على رفع الفائدة أو حملة على طارق عامر نفسه.

فهذه الفئة تسعى إلى نقل الخلاف على سعر الفائدة إلى البرلمان، وفتح النار على المحافظ فى البرلمان، خاصة أن كتلة رجال الاعمال فى البرلمان كتلة كبيرة ولها تأثير تصويتى ونفوذ لا يجب أن يستهان به، يزيد من احتمال انتقال المعركة إلى البرلمان أن رئيس اتحاد الصناعات المهندس محمد السويدى هو رئيس ائتلاف الأغلبية (دعم مصر)، واتحاد الصناعات لا يفضل رفع سعر الفائدة لأنها تضر بالصناعة، كما أن البرلمان يضم عددا من رؤساء الغرف الصناعية التابعة لاتحاد الصناعات.


2- دعم البنوك

من بين أهم وظائف البنك المركزى تطوير القطاع المصرفى ورقابته، ولاشك أن التعويم وتوابعه أدى إلى خسائر متعددة للبنوك المتوسطة والصغيرة، وقد ظهرت بوارد هذه الخسائر فى تناقص أرباح هذه البنوك، ولكن الوضع العام القادم قد يكون أسوأ، وفى حالة رفع جديد للفائدة فإن هذه الفئة من البنوك ستخسر المزيد من العملاء والأموال، لأن البنوك العامة الكبرى فقط هى التى تستطيع المنافسة فى مجال تقديم فائدة مرتفعة على الودائع، وقد بدأ المركزى فى تقديم دعم للبنوك عندما تدخل ودفع للبنوك 420 مليون دولار، وذلك لإنهاء مشكلة صغار المستثمرين الذين حصلوا على قروض بالدولار قبل التعويم.

ولكن المشكلة أكبر من تسوية هذا الملف فقط، وربما يضطر المركزى إلى ما هو أكبر، وهو تقديم قروض بفائدة صفرية (بدون فائدة) على غرار القروض الإسلامية، ولكن هذه القروض ستقدم لبعض البنوك العامة، وذلك باتفاق مع وزارة المالية، وذلك لأن المالية هى ممثل الدولة صاحبة هذه البنوك، وذلك لضمان ألا تتأثر أرباح هذه البنوك نتيجة لعواصف السوق العاتية، ولان الحفاظ على هذه البنوك ومستوى ربحيتها من ناحية والقاعدة الرأسمالية لها من ناحية أخرى هو ضمان للسوق، وحتى تحافظ هذه البنوك على توافق أعمالها وقوتها مع القواعد المالية العالمية (بازل 3).

ولكن رفع جديد للفائدة مع استمرار مشاكل الافلاس يحتاج إلى خطة عاجلة من المركزى للحفاظ على قوة القطاع المصرفى كله، ولمساعدة ودعم البنوك الصغيرة والمتوسطة، ولو فعل المركزى أو بالاحرى محافظه هذه الخطوة فسوف يخسر بعض أرباحه، لان دعم البنوك سيكون من خلال أرباح المركزى، وهذه معركة مهمة يجب أن يخوضها المركزى حتى يعبر بالقطاع المصرفى هذه الأزمات بأقل حد من الخسائر.

بالطبع قد يواجه طارق عامر هجوما لو دعم بنوكا خاصة أو قدم تيسيرات لها، ولكن القطاع المصرفى شريان الاقتصاد المصرى يستحق خطة عاجلة للحفاظ على قوته وريادته، خاصة أن الحفاظ على ارباح البنوك يعود على الدولة بفوائد عدة على رأسها الضرائب، فالبنوك مصدر مهم للضرائب فى مصر.

وأخيرا فإن شهادات قناة السويس ستحتاج إلى تدخل سريع من محافظ البنك المركزى، وذلك بالتنسيق مع هيئة قناة السويس، لانه فى حالة رفع سعر الفائدة فلابد من دراسة رفع جديد للعائد على شهادات قناة السويس، ففى ظل تخضم يصل لـ30% فإن فائدة شهادات قناة السويس (16%) لم تعد مجدية ولا جاذبة، وقناة السويس الجديدة مشروع قومى، ونموذج يمكن تكراره فى مشروعات أخرى، وفى حالة رفع جديد لسعر الفائدة على الودائع، فإن البعض قد يتحول من شهادات قناة السويس إلى نوع آخر من الشهادات ذات العائد المرتفع.

معركة شهادات قناة السويس هى فى حقيقتها معركة سياسية، فالإخوان يروجون إلى قرب انهيار شهادات قناة السويس، ويحرضون البسطاء على التخلى عنها، وهذا أمر لا يجب أن نسمح به، فشهادات قناة السويس رمز لإرادة شعب والتفافه حول مشروع قومى، رمز سنحتاج إلى تكراره، ولذلك يجب ألا نسمح بأى هزة فى هذه الشهادات، ويجب أن نسارع فى اتخاذ قرار ينصف أصحاب الشهادات من التضخم.

أمام محافظ البنك المركزى هذه المعارك وأمامه معركة التضخم والسيطرة على مستويات الأسعار، والمهمة الأخيرة مشتركة مع الحكومة، ومن باب الوطنية أتمنى لكل من المحافظ والحكومة الفوز فى هذه المعارك، المهم أن نبدأ بسرعة وحسم لأننا أمام ملفات عاجلة تتطلب تصرفا سريعا وحكيما.