الملك "السلفي" المحب للخيول والقصور المبتعد عن الناس

منوعات

عباس حلمى الأول
عباس حلمى الأول


هو ابن أحمد طوسون باشا، حاكم مصر، ينتسب لأسرة محمد على أسمًا وعائلةً، ولكنه لا يمت لهما بصله من الناحية الفكرية. 

الأبن الذي لا يشبه أباه
علي عكس من خلفهم فقبل ولايته الحكم وبعد أن تولاه لم يمتلك أية مميزات أوصفات تجعل منه ملك عظيم يضطلع بأعباء الحكم ويسلك بالبلاد سبيل التقدم والنهضة، 

مولده
ولد بمدينة جدة عام 1813م، ثم انتقل لاحقًا إلى القاهرة، لم يبذل جده "محمد علي" جهدًا في الإهتمام والعناية به حتى يصير علي قدر مسؤلية ولاية الحكم، ذلك لأنه سوف يأخذ الدور في تولي حكم مصر نظراً لأنه كان أكبر أفراد الأسرة العلوية سنًا، وبالتالي أحقهم بولاية الحكم بعد عمه إبراهيم باشا، والذي جعله يتولى المناصب الإدارية والحربية، فتقلد من المناصب الإدارية منصب مدير الغربية، ثم منصب الكتخدائية التي كانت بمنزلة رآسة الناظر, و كانت جميع الأفعال لا تنم عن ولادة حاكم ناضج لكي يتحمل إدارة مثل الحكم، ذلك لأنه لم يكن في إدارته مثلًا للحاكم البار، بل كان له من التصرفات ما ينم عن القسوة، وكان جميع هذه الأخبار تصل إلي جده،  فينهاه عنها ويحذره من عواقبها ولكن طبيعته كانت تتغلب على نصائح جده وأوامره .

حرب الشام
 لم تكن له ميزة تلفت النظر، سوى أنه حفيد رجل أسس ملكًا كبيرًا، فصار إليه هذا الملك، دون أن تؤول إليه مواهب مؤسسه، فكان شأنه شأن الوارث لتركة ضخمة جمعها مورثه، ظهر ذلك عندما اشترك مع عمه إبراهيم باشا في الحرب في الشام، وقاد فيها إحدى الفيالق، ولكنه لم يتميز فيها بعمل يدل على البطولة أو الكفاءة الممتازة,  فلم يظهر كفاءته وحسن تدبيره وتركها لمن يخلو من المواهب والمزايا, وكان عمه إبراهيم باشا لا يرضيه منه سلوكه وميله إلى القسوة ، وكثيراً ما تقم عليه نزعته إلى إرهاق الآهلين،  الأمر الذي جعل ابراهيم باشا يعيده مره أخرى حتى لمكان ولادته جدة وظل هناك إلى توفى عمه إبراهيم باشا.

ولايته الحكم
عقب وفاة أبراهيم باشا , تم أستدعئه لمصر ليخلفه فى ولاية الحكم، تنفيذاً لنظام التوارث القديم الذي يجعل ولاية الحكم للأرشد فالأرشد من نسل محمد علي،  حيث تولى الحكم في 24 نوفمبر سنة 1848م.

خمس سنوات و نصف حكمه لمصر
تولى الحكم وكان يبدو خلالها غريب الأطوار، له حياته الغريبة، القسوة التي كانت تغلب علي فكرة قلباً وقالباً، سيء الظن بجميع من حوله،  محب للعزلة، منغلقاً على نفسه داخل قصوره ،  يهوى بناء القصور في الجهات الموغلة في الصحراء أو البعيدة عن الناس .

القصور التي بناها
بنى سراي الخرنفش والحلمية بالقاهرة، وبني قصرًا بصحراء الريدانية التي هي العباسية حاليًا، والتي سميت من ذلك الحين باسمه، وكانت في تلك الوقت بجوف الصحراء، وقد شاهد الميسو "فرديناند دي لسبس" هذا القصر، فأندهش من ضخامته المبالغة، وذكر أن نوافذه بلغت 2000 نافذة، وهذا وحده يعطينا فكرة عن عظمة القصر واتساعه، فكأنه بني لنفسه مدينة في الصحراء، كما بني قصرًا أخر على طريق السويس، نائيًا في الدار البيضاء الواقعة بالجبل ولا تزال أثاره باقية إلى اليوم، كما بني قصرًا على ضفاف النيل بعيدا عن المدينة، وهو القصر الذي قتل فيه.

سيئ الظن دائماً
خيل له الوهم أن أفراد أسرته ورجال محمد على باشا وإبراهيم باشا يتآمرون عليه فأساء معاملتهم، وخشي الكثير منهم على حياته منه، فرحلو إلى الأستانة والبعض إلى أوروبا خوفا من بطشه، واشتد العداء بين الفريقين طول مدة حكمه، وبلغ به الأمر أنه حاول قتل عمته "الأميرة نازلي هانم"، ولاشتداد العداوة بينهما هاجرت إلى الأستانة. 

سعي في أن يغير نظام وراثة العرش ليجعل ابنه إبراهيم إلهامي باشا خليفته في الحكم بدلا من عمه محمد سعيد باشا، ولكنه لم يفلح في مسعاه، حتى أنه اتهمه بالتآمر عليه، واشتدت بينهم العداوة حتى أضطره إن يلزم الإسكندرية، وأقام هناك بسراي القباري. 

أنتشار البوليس السري واالنفي 
في عهده عناصر البوليس السري بين المواطنين انتشاراً مخيفاً، فصار الرجل لا يأمن على نفسه من صاحبه وصديقه، وكان غضبه لاذع ولا يحتمل فكان من يغضب عليه ينفيه إلى السودان ويصادر أملاكه، وكان ينفي المغضوب عليهم إلى أقصى السودان وصار ذلك من الأمور المألوفة في عصره. 
ولكنه كان يملك هوايه وحيده في ظل هذه المساوئ فكان مولعًا بركوب الخيل، ويقطع بها المسافات البعيدة في الصحراء، وله ولع شديد باقتناء الجياد الكريمة حيث كان يجلبها من مختلف البلاد ويعني بتربيتها عناية كبرى، وكانت يعتبر ذلك من المفارقات العجيبة فرغم كراهيته للناس إلا أنه كان يهتم بالحيوان، وبني لها الاصطبلات الضخمة وأنفق عليها بسخاء شأنه شأن هواة الخيل.

عصره يرجع للخلف عكس جده 
 فقد كانت السياسة العامة في عهده تختلف عن عصر محمد علي، حيث تراجعت حركة النهضة والتقدم والنشاط التي امتاز بها هذا العصر، إذ أن محمد علي كان يستعين بذوي العلم والخبرة من الفرنسيين في معظم مشاريع الإصلاح، لكنه لكونه لم يفكر في تعهد هذه الإصلاحات قام بإقصاء معظم هؤلاء الخبراء واستغني عنهم حتى أنه اتهمه بالتآمر عليه، واشتدت بينهم العداوة حتى أضطره إن يلزم الإسكندرية وأقام هناك بسراي القباري في عهده، وهناك ظاهرة أخرى للفرق بين العهدين، حيث تضائل النفوذ الفرنسي في عهده ولم يعد إلى الظهور إلا في عهد محمد سعيد باشا، وعلى العكس من انحسار النفوذ الفرنسي، فقد  ظهر له صديق و لكن الغريب أنه لم يكن من عائلته أو حتي من ذوي النصح والإصلاح أو حتي حب البلد، القنصل البريطاني في مصر "مستر مري"، حيث كان له تأثير كبير عليه وله عنده كلمة مسموعة، فبدأ النفوذ الإنجليزي في عهده ، ولا يعرف السبب الحقيقي لهذه المنزلة سوي أنه نتيجة المصادفة، إلا أنه قيل أنه كان يستعين به وبالحكومة الإنجليزية ليمنع تدخل الدولة العثمانية في شئون مصر، إذ كانت تريد تطبيق القانون الأساسي المعروف بالتنظيمات على مصر، وفي رواية أخرى إنه كان يستعين به في السعي لدى الحكومة العثمانية بواسطة سفير إنجلترا لتغيير نظام وراثته العرش كي يؤول إلى ابنه "إلهامي".

علاقاته بالشيخ محمد بن عبد الوهاب  
و هو من أتباع المنهج السلفي في الجزيرة العربية فكان من مؤيديه، وقام بتهريب أحد أبنائه أثناء وجوده في السجون المصرية بعد أسره في المعركة التي خاضها إبراهيم باشا ضد الدولة السعودية الأولى، كما قام بإحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مصر.

يقول الأستاذ "طاهر الطناحي" 
حيث كتب في مجلة الهلال أن (السبب في غموض عهد عباس وتشويه سمعة حكمه، فهو من صنع المؤرخين الأوروبيين الذين ساءهم منه اعتزاله الأجانب الذين كانوا يسعون بنشاط في نشر نفوذهم إلى سائر مرافق البلاد، فأعرض عن كثير منهم وأراد أن يقوي الروح الوطنية في البلاد، فأثار ذلك نفوسهم وتناولوه بالسعاية والذم واتهموه بالرجعية والجمود ومحاربة الإصلاح، وكتب عنه مؤرخوهم فخلعوا عليه أوصاف القسوة والضعف والتأخر، وألقوا على عهده سحبا كثيرة من الغموض، وقد زعموا أنه أرجع البعثات العلمية التي أرسلها جده "محمد علي" الكبير إلى أوروبا، ولم يرسل بعوثا أخرى وذكر البعض أنه لم يرسل غير ١٩ طالبا لوقت محدد  والحق أن عباس باشا لم يقل عن  جده محمد علي باشا الكبير عناية بالتعليم وإرسال البعثات إلى أوروبا) .
و قد تم أغتياله في قصره في بنها وخلفه عمه محمد سعيد باشا .