عندما ركعت تركيا تحت أقدام الجندي المصري

منوعات

بوابة الفجر



بدأت حروب محمد علي لصالح السلطان العثماني الذي طلب منه اخماد الحركة الوهابية في الحجاز و كان السعوديون الذين تبنوا الحركة الوهابية قد بسطوا نفوذهم في الحجاز ، فخشي السلطان العثماني من ازدياد نفوذهم، لذلك طلب من محمد علي القضاء عليهم.
فأرسل محمد علي ابنه طوسون ثم ابنه الأكبر ابراهيم لإخماد الحركة. و نجح محمد علي فيما طلب منه و أُسر الأمير عبد الله بن سعود، و انتهت الحملة بوجود مصري دائم في الحجاز، حيث اسند السلطان العثماني لمحمد علي مشيخة الحرم المكي، كما تولي ابنه ابراهيم ولاية جدة. و اتسع الوجود المصري ليشمل الحجاز و نجد و عسير و جزء من اليمن.
و كانت بريطانيا تراقب أمر اتساع نفوذ محمد علي في الحجاز بتوجس و ذلك خوفاً منها علي طريق التجارة الذي يمر في الخليج العربي و البحر العربي إلي الهند، فسارعت بفرض نفوذها و حمايتها علي المشيخات الصغيرة علي الخليج العربي ، كما احتلت عدن للسبب نفسه عام 1839 م.

كما طلب السلطان من محمد علي مواجهة اليونانيين المطالبين بالاستقلال عن الدولة العثمانية، فقام محمد علي بالمهمة خير قيام و انتصر في حرب دامت 7 سنوات (1821-1828م)، فبرز دور مصر و ازداد وزنها السياسي في المحيط الدولي، و ترسخت فكرة الدولة المصرية المستقلة أكثر من ذي قبل.
و كذلك عمد محمد علي إلي توسيع المجال الحيوي لمصر عن طريق التوسع في السودان ( 1820-1822 م)، فأرسل حملة من ستة آلاف جندي فدخلوا دنقلة عام 1818 م ، ثم هاجموا معاقل المماليك في أم درمان و سندي و حلفاية حتي تمكنوا من دخول مدينة سنار الاستراتيجية في يونيو 1821 م. و بذلك دانت السيطرة لمحمد علي علي السودان و استمرت حتي الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882 م.
قام محمد علي بتعيين حكمدار للسودان هو محمد بك الدفتردار يجمع السلطة المدنية و العسكرية بالتنسيق مع وزارة الداخلية في مصر. فقام الحكمدار ببناء مدن جديدة مثل مدينة الخرطوم و كسلا و فامكة علي النيل الأزرق، و قسم السودان إدارياً إلا محافظات و مديريات و أقسام كما فعل في مصر.
بعد ذلك طلب محمد علي من السلطان العثماني أن يضم الشام إلي مصر تحت حكمه تعويضاً له علي خسائره في حروب اليونان. و كان محمد علي يهدف إلي إقامة إمبراطورية مصرية تضم مصر و الشام و الحجاز و السودان ,و لكن الباب العالي كان يتوجس شراً من ازدياد نفوذ محمد علي، فأخذ في تأليب الشام ضده. فأنتهز محمد علي فرصة لجوء بعض المصريين الهاربين من التجنيد إلي عكا و رفض باشا عكا إرجاعهم إلي مصر ، فما كان من محمد علي إلي أن جهز جيشاً قوامه 35 ألف جندي بقيادة ابراهيم باشا لإخضاع عكا. و بالفعل حوصرت عكا، و في خلال حصارها انضم الأمير بشير، زعيم الدروز في لبنان إلي جيش إبراهيم.
لم تتوقع القوي الأوربية أن يسفر حصار عكا إلي أي نجاح يذكر للجيش المصري، و خاصة أن عكا هي المدينة العتيدة و الحصن المنيع الذيي تكسرت علي اسواره آمال بونابرت في زحفه علي الشام عام 1799م , و لكن إبراهيم باشا تعلم من دروس التاريخ و اصطحب معه فريقاً من المهندسين الإيطاليين و الكورسيكيين، كما عمل علي عزل عكا عما يحيطها حتي لا تصلها المؤن من العثمانيين، فزحف بجيشه إلي طرابلس و حمص و أحرز أول انتصار له علي العثمانيين، ثم عاد إلي عكا و استأنف الحصار. و بعد حصار دام ستة أشهر هاجم المدينة و اخترق حصونها في 27 مايو 1832م. و كان انتصارا مدوياً أذاع صيت إبراهيم باشا في أرجاء العالم كله.
و بعدها استولي إبراهيم باشا علي دمشق في يونية 1832 م و حمص يولية 1832 م ثم حلب و حماه و بيلان، و اجتاز جبال طوروس التي تفصل الشام عن الأناظول حيث معقل الإمبراطورية العثمانية.
لم تكن إنجلترا و روسيا ليقفان مكتوفي الأيدي إزاء استفحال خطر الإمبراطورية المصرية الفتية التي تستعد لترث أملاك الإمبراطورية العثمانية المحتضرة و أمام الخطر الجاثم علي الآستانة، وافق الباب العالي علي تلقي دعم من روسيا و هي العدو التقليدي للإمبراطورية العثمانية ، للتصدي لجيش إبراهيم باشا إذا ما اكمل زحفه إلي الآستانة. و بالفعل نزل 15 الف جندي روسي علي أبوب الآستانة.
رأت كل من فرنسا و إنجلترا شر وخيم من هذا التحالف العثماني الروسي الذي من شأنه تغيير موازين القوي بصورة جذرية. و رأت أن الوسيلة الوحيدة لتخريب هذا التحالف هو ردع الخطر المصري عن الآستانة حتي لا ترتمي في أحضان المارد الروسي.
و بالفعل سعت الوساطة الفرنسية بين محمد علي و الباب العالي حتي تم الاتفاق علي صلح كوتاهية في 5 مايو 1833م بضمان الدول الغربية 
حصل محمد علي سلطة حكم مصر و كريت و دمشق و طرابلس و الشام و صيدا و صفد و حلب و القدس و نابلس.
منح إبراهيم باشا لقب رئيس الحرمين و منحه ما يجبي من الضرائب و الأموال من أطنة و لكن هذا الصلح لم يكن إلا فترة هدنة مؤقتة بين الباب العالي و محمد علي. ذلك لأن السلطان محمود كان لا يري في محمد علي إلا تابع تمرد يجب تأديبه و إرغامه علي إعادة الشام للولِاية المباشرة للباب العالي. أما محمد علي فلم يري في المعاهدة تحقيقاً لطموحه السياسي و تثيبتاً لأقدامه في إمبراطوريته، ذلك لأنه حصل عليها من خلال امتياز من الباب العالي يجدد سنوياً و يمكن إلغائه في أي وقت.