500 شركة مديونة للبنوك بـ7 مليارات دولار بسبب تعويم الجنيه

العدد الأسبوعي

توقف خطوط الإنتاج
توقف خطوط الإنتاج داخل أحد المصانع


■ أصحاب الشركات يستغيثون بالسيسى بعد طرق أبواب البرلمان واتحاد الصناعات ومجلس الوزراء دون فائدة

زعم البنك المركزى أن قرار تعويم الجنيه هو السبيل الوحيد لإنقاذ الاقتصاد المصرى، إلا أن تبعات هذا القرار جاءت على رأس المواطن البسيط، فارتفعت الأسعار بشكل جنونى، وأصبح ملايين العمال مهددين بالتشريد نتيجة تعثر الأوضاع المالية للشركات والمصانع التى يعملون بها.

أكثر من 500 شركة استثمارية تعمل فى مجال الاستيراد والتصدير مهددة بالإغلاق بسبب مديونيتها التى تضاعفت لدى البنوك نتيجة قرار تعويم الجنيه، ووصلت إلى 7 مليارات دولار- بحسب تقديرات الشركات.

الأزمة تفجرت قبيل تقفيل السنة المالية بالشركات والبنوك، عندما طلبت الأخيرة من الشركات سداد قيمة مديونيتها الدولارية التى حصلت عليها وفقاً لسعر الدولار اليومى بعد عملية التحرير، والذى تجاوز الـ 18 جنيها مقارنة بحوالى 8.8 جنيه قبل التعويم.

الجمعيات قدرت حجم المديونية من القروض التى حصلت عليها الشركات بحوالى 7 مليارات دولار وبفرق سعر الدولار تتراوح بين 70 و80 مليار جنيه فى جميع القطاعات بعد التعويم.

وكانت لتلك الشركات قبل قرار التعويم اعتمادات مستندية مفتوحة لدى البنوك تم من خلالها استيراد منتجات ومعدات ومواد خام ومواد غذائية من الخارج بالدولار، ولم تسدد تلك المديونيات للبنوك، وهو ما دفع 9 جمعيات للمستثمرين تشمل مستثمرى جمعيات 6 أكتوبر والعاشر من رمضان والعبور والسادات وعتاقة وسوهاج وبنى سويف وأسيوط وأسوان إلى الإعلان عن الأزمة فى مؤتمر صحفى، ثم نشر استغاثة فى 6 صحف لمناشدة الرئيس السيسى للتدخل بعدما طرقوا أبواب جميع الجهات دون جدوى.

وحسب استغاثة الجمعيات والشركات، فإن إجراءات البنوك ستؤدى إلى خسارة البعض منهم لنحو 100% من رءوس أموالهم، مما قد يضطرهم إلى الإغلاق وإشهار الإفلاس وتسريح أكثر من مليونى عامل إذا لم يكن هناك حلول سريعة، وبالإضافة إلى تلك الآثار المرعبة فإن بيان الجمعيات حمل تحذيرا آخر من حدوث نقص حاد فى السلع الاستراتيجية فى الأسواق وتعرض أصحاب تلك الشركات للمساءلة الجنائية.

وطالبت الجمعيات بالسماح ببعض الإجراءات المالية والجمركية والبنكية التى تتعلق باعتماد فروق العملة محاسبياً ورفع حدود الائتمان للشركات إلى الضعف واحتساب سعر ثابت للجمارك وضريبة المبيعات، على أن تتحمل البنوك فروق التأخير فى تدبير العملة.


1- خلفيات الأزمة

خلفيات الأزمة تعود إلى أكثر من ثلاث سنوات وتحديداً فى يناير 2013، حين أصدر محافظ البنك المركزى السابق هشام رامز قراراً للبنوك لتقديم تسهيلات ائتمانية بالعملة الأجنبية للمنتجين، لاستيراد خامات ومستلزمات الإنتاج والسلع الأساسية، على أن يقوم كل عميل بتغطية قيمة التسهيلات الدولارية بالجنيه بزيادة 10% من القيمة لدى البنك، والتى تعتبر فى حكم المديونيات على العميل وذلك دون الحصول على فوائد على هذه الأموال، واستمر القرار ذاته فى عهد المحافظ الحالى طارق عامر.

كان القرار يهدف فى الأساس إلى استمرار حركة التجارة والأداء الاقتصادى، خاصة فى قائمة السلع الأساسية والتى تشمل السلع الغذائية والمعدات وقطع الغيار للمصانع والأدوية والأمصال والمبيدات، وهو ما استفاد منه المستثمرون.

ومع تولى طارق عامر منصبه كمحافظ للبنك المركزى، قام بتغطية 2 مليار دولار من مديونيات المستوردين الدولارية لدى البنوك بسعر الصرف الذى كان يبلغ وقتها 7.83 جنيه للدولار، وكان الهدف تشجيع رجال الأعمال من أصحاب المديونيات لتسعير منتجاتهم بسعر الدولار الرسمى بالبنوك لصالح المواطنين والمساعدة على التصدير.


2- طرق أبواب مجلس الوزراء والبرلمان

أصحاب الشركات تقدموا بمذكرة رسمية إلى المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء، أكدوا فيها أن أكثر من 150 شركة مهددة بالإغلاق بسبب أزمة فروق العملة.

فيما قام عدد منهم بالتواصل مع أعضاء مجلس النواب بشكل منفرد، لوضع تصور لحل الأزمة بعد توقف عدد من المصانع عن الإنتاج لعدم وجود مستلزمات الإنتاج المستوردة، والتقى وفداً منهم بالدكتور على مصيلحى رئيس لجنة الشئون الاقتصادية بالبرلمان، للبحث عن حل سريع لمشكلة فروق العملة.

النائب حسن السيد عضو لجنة الشئون الاقتصادية بالبرلمان، قال لـ«الفجر»: رئيس اللجنة جلس بصفة شخصية مع المتضررين، لكن لم يثر الموضوع داخل اجتماعات اللجنة، لافتاً إلى أنهم سيبحثون عن حل سريع لإنقاذ أوضاع الشركات المتضررة حتى لا يكون مصيرها الإغلاق.


3- اجتماعات المركزى

ومن مجلس النواب إلى البنك المركزى الذى عقد اجتماعاً مع أصحاب الشركات المتضررة، لكن الغريب فى الأمر أن طارق عامر رفض حضور المستشارين المالى والقانونى للشركات مع إصرار المستثمرين على مشاركتهم، ما أدى إلى فشل الاجتماع والغائه، وذلك بعد تأجيله أكثر من مرة.

المستثمرون استغاثوا باتحاد الصناعات، الذى عقد اجتماعاً مع محافظ البنك المركزى، وتقدم باقتراح مفاده الاتفاق على تقسيط المديونيات الناتجة على مدد تتراوح بين سنة إلى ثلاث سنوات بحد أقصى حسب ظروف كل شركة، مع إصدار تعليمات للبنوك بعدم اتخاذ أى إجراءات قانونية أو إجرائية أو إشهار إفلاس لأى شركة أو مصنع متضرر من الأزمة.

كما نتج عن الاجتماع تخصيص 10 مليارات جنيه بفائدة 12% للشركات التى لا تتجاوز مبيعاتها مليار جنيه سنوياً، لدعم رأس المال العامل لكل شركة أو لجزء منه، وتطرق أيضاً إلى إمكانية تثبيت سعر الدولار بقيمة محددة، ويكون ذلك بناء على طلب كل شركة على حدة وبالاتفاق مع البنك المعنى بالحالة وحسب ظروف كل شركة، وفى حالة عدم الاتفاق بين أى من الشركات والبنوك يتم الرجوع إلى البنك المركزى للبت فى الحالة واتخاذ القرار المناسب.

لكن تلك النتائج لم تكن مرضية بالنسبة للشركات والتى أعلنت رفضها رسمياً لنتائج الاتفاق، مطالبين بعقد اجتماع آخر مع محافظ البنك المركزى.

وبررت الجمعيات والشركات المتضررة رفضها لنتائج اجتماع المركزى واتحاد الصناعات، بأن الفترة التى تم تحديدها لتقسيط المديونيات «غير كافية»، وهناك مديونيات لن تتمكن الشركات من سدادها طبقاً للفترة المحددة، بالإضافة إلى احتساب الديون بسعر الدولار الحالى إذا كان موعد استحقاقها بعد قرار التعويم فى نوفمبر الماضى، أما إذا كان قبل القرار فيطبق عليها سعر الدولار القديم.

على صعيد آخر، رفضت الشركات والجمعيات البيان الاستنكارى الذى أصدره الاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين، متنصلاً من الـ 9 جمعيات المتضررة، زاعماً أنهم لا يمثلون الاتحاد الذى يضم 51 جمعية، واعتبرت ذلك مزايدة على وطنية الشركات المتضررة.

ويرى محمد المرشدى عضو لجنة المشروعات الصغيرة بالبرلمان ورئيس جمعية مستثمرى العبور، أن القرارات الصادرة عن اجتماع اتحاد الصناعات مع محافظ البنك المركزى «غير مرضية» وليست كافية لحل الأزمة، مشيراً إلى أنه يجب إعطاء الأولوية عند الحل للمنتجين الصناعيين الذين استوردوا مستلزمات الإنتاج، أما التجارة فيجب أن يختلف التعامل معها.

وأكد هانى توفيق الخبير المالى والاقتصادى ورئيس الجمعية العربية للاستثمار المباشر أنه يجب عدم التعامل مع كل شركة فى تسوية مديونياتها بنفس المعايير، موضحاً أن من استورد للتجارة أو التصنيع وباع فى السوق دون عقود مسبقة تلزمه بسعر دولار 8 جنيهات، يدفع مديونيته الجديدة دون مجادلة، وذلك لاستفادته من تحرك سعر السوق عن سعر الاعتماد.

وأشار توفيق إلى أن المستثمر المرتبط بعقود «ملزمة» يجب ألا يتحمل أى فروق سعر، على أن تتحمل الدولة المديونية فورا، لافتاً إلى أن علاج أزمة الديون الدولارية مسئولية مشتركة بين البنوك التى قدمت تلك التسهيلات، والبنك المركزى الذى اتخذ قرار التعويم دون أخذ الاحتياطات والمحاذير اللازمة.


4- المحطة الأخيرة

فيما دعا محمد فرج عامر رئيس لجنة الشباب والرياضة بالبرلمان وصاحب شركة فرج الله، المهندس شريف إسماعيل رئيس الحكومة، لاتخاذ قرار سريع بشأن الأزمة، مطالباً بالاسترشاد بمقترحات اتحاد الصناعات.

وكشف الدكتور سمير عارف رئيس جمعية مستثمرى العاشر من رمضان، إحدى الجمعيات المتضررة، عن وجود تواصل مستمر مع الإدارة المركزية لدعم الاستثمار بهيئة الرقابة الإدارية والتى تعقد اجتماعات للوصول لحل الأزمة بعد رفض مبادرة اتحاد الصناعات مع البنك المركزى.

وكانت هيئة الرقابة الإدارية قد أسست وحدة لدعم المستثمرين ومتابعة مشكلاتهم برئاسة اللواء محمد عاشور بتعليمات من رئاسة الجمهورية لحل العقبات التى تواجههم فى مختلف القطاعات.

وأضاف عارف: إن هناك اهتماما من جانب رئيس الوزراء ومحافظ البنك المركزى بالقضية، وأنها ستشهد خلال الأيام القليلة المقبلة حلاً سريعاً يرضى جميع الأطراف، من خلال البحث عن صيغة مناسبة لتقسيط الدين مع كل شركة، خاصة أن الخسارة تختلف من شركة لأخرى، كاشفاً عن أن عدد الشركات المتضررة يصل إلى 500 شركة.


5- أزمة مرتقبة

النائب محمد زكريا محيى الدين وكيل لجنة الصناعة بالبرلمان حذر من أزمة جديدة بسبب تبعات قرار التعويم، وتتعلق بكيفية محاسبة المصانع ضريبياً بعد قرار تحرير سعر الصرف، فى الوقت الذى تقوم فيه الشركات المحلية باستيراد البضاعة من الخارج بالدولار، ويتم إثبات القيمة بالعملة المحلية بالدفاتر المحاسبية حسب سعر البنك المركزى فى يوم الشراء أو الإفراج عن البضاعة.

وأشار محيى الدين إلى أن المستورد لا يستطيع سداد قيمة البضاعة بنفس سعر الصرف، لعدم توفر الدولار بالبنوك وبالتالى يتحمل عبء تدبير العملة من السوق الموازية بسعر أعلى، فى الوقت الذى لايستطيع تسجيل السداد بهذا السعر لمحاسبة مصلحة الضرائب، لأنها تعتمدعلى أسعار البنك المركزى فقط.

وتوقع محيى الدين أن الأزمة قد تندلع فى غضون الأيام القليلة القادمة، حيث ستتقدم الشركات بإقراراتها الضريبية لمصلحة الضرائب عن حجم أعمالها وفقاً لموسم الإقرارات الذى يبدأ فى منتصف يناير وينتهى فى إبريل، قائلاً: ينتظر تلك الشركات مشكلة فى ظل الفرق الكبير بين سعر العملة الذى تم التعامل به خلال عام 2016، والسعر الرسمى قبل قرار التعويم، والسعر الذى تتعامل به مصلحة الضرائب بعد التعويم والذى سيكون مختلفا عن التعاملات الدولارية لها.

وأكد أن الحصيلة الضريبية للدولة قد تتأثر نتيجة لفروق الأسعار فى الميزانيات، والتى ستحسب كخسائر، مما يظهر المراكز المالية للشركات «خاسرة»، فتقل الضريبة المحصلة منها، بالإضافة إلى تهديد استثماراتها بالسوق، حيث سترفض البنوك منحها قروضاً جديدة، وبعض الشركات الكبرى ستكون فروق الأسعار بالنسبة لها مليارات.

وأعلن عبد المنعم مطر المشرف العام على تطبيق ضريبة القيمة المضافة، أنه سيتم إصدار قرارات وزارية لمعالجة أزمة فروق العملة فى الإقرارات الضريبية خلال الأيام المقبلة، وذلك بعد عقد لقاءات مع اتحاد الصناعات واتحاد الغرف التجارية لتحديد نسبة الفرق والتى تتراوح ما بين 4 و5%.