عادل حمودة يكتب: اعترافات شاب جند 10 آلاف إرهابى دون أن يتورط فى قضية واحدة

مقالات الرأي



على شريط فيديو: اعترافات شاب جند 10 آلاف إرهابى دون أن يتورط فى قضية واحدة: كل منفذى العمليات العسكرية تلاميذى

التمويل:
■ محامٍ إخوانى يقدم شيكًا بربع مليون جنيه لأسر المعتقلين ومقاول إخوانى أعطانى ألفى جنيه
■ جاءت إلينا أموال الزكاة بوفرة من دول عربية وإسلامية
■ حرّمنا العمل فى الحكومة ومارسنا التجارة فى خلايا عنقودية متفرقة ومتباعدة
■ كل واحد فى المجتمع له دور ولا يجوز أن يستصغر أحد دوره

التجنيد:
■ أخذونى من ثانية ثانوى وعمرى 17 سنة وهجرت أهلى وأنكرت أمى
■ التكفير يبدأ بكتاب المصطلحات الأربعة للمودودى وفتوى استحلال ذهب وحياة الأقباط مقتبسة من كتاب ابن رجب الحنبلى «الحكم الجديرة بالإذاعة» وكتاب سيد قطب «معالم فى الطريق» هو دستور الجماعات للعمليات العسكرية

المواجهة:
■ الفكر أقوى من الرصاص والصحافة أهم من الأمن
■ لم نجد فى المدارس مناهج دينية تشبعنا

الحياة الخاصة:
■ طلقنا زوجة عضو فى جماعة عندما أصر على إدخال أولاده المدرسة وزوجناها من عضو آخر بعد أربعة أيام
■ موظفة فى إنشاص تزوجت أمير جماعة فى ميكروباص بعد تطليقها من زوجها لأنه كافر

الشيوخ:
■ هم سبب 80% من مشكلة التطرف وقوافل الدعاة لا تناقشنا بالحجة والدليل
■ تركوا كتب التكفير فى الشوارع دون رقيب
■ إغلاق بعض المساجد أفضل من أن نطلق الرصاص منها

فى 40 ثانية نفذت عملية اغتيال الرئيس أنور السادات وسط جيشه وحراسته وحكومته.

كنت على بعد خمسين مترا منه فى مقاعد المراسلين الذين سمح لهم بتغطية العرض العسكرى عندما انهمر الرصاص وانفجرت القنابل وانقلبت الكراسى وتحول الفرح إلى مأتم كبير.

منذ ذلك الوقت فى منتصف نهار 6 أكتوبر 1981 بدأ اهتمامى بجنون القتل باسم الله وشهوة خلط الدين بالديناميت فى حالة من الحرب المزمنة التى ما إن تهدأ حتى تتفجر وما إن تتوب حتى تتجدد.

بحثت وفحصت وقرأت وكتبت وحاورت ونشرت الكثير عن هذه الظاهرة التى تتوالد بخبث مثل خلايا سرطانية منفلتة فقدت السيطرة على نفسها فلم أجد أفضل من شريط فيديو «مدته 105 دقائق» سجله التليفزيون الحكومى فى شتاء عام 1993 مع إرهابى تائب لتفسير هذه الظاهرة التى نعانى منها بشدة فى هذه الأيام.

اسمه عادل محمد عبدالباقى.. ولد فى 9 إبريل 1961.. نجح طوال 17 سنة من العمل السرى فى تجنيد عشرة آلاف شاب للتنظيمات المسلحة.. نفذوا عمليات قتل ونهب واغتصاب.. وعندما استيقظ ضميره قرر أن يكفر عن ذنوبه بالكشف عن الخبايا التى عاشها وشارك فيها بقبول الحوار مع اثنين من نجوم ماسبيرو فى ذلك الوقت هما محمود سلطان وفاطمة فؤاد.

كيف يختارون الأعضاء؟ ما الكتب التى يدرسونها؟ لم يكفرون النظام؟ كيف يمولون عملياتهم؟ لم يستحلون أسلحة الجنود وذهب الأقباط وأرواح أهل الكتاب؟ وهل تكفى المواجهات الأمنية للقضاء عليهم؟ ولم غاب الشيوخ عن المواجهة وتركوا كتب التطرف تطبع وتباع علنا دون أن يجهدوا أنفسهم بالرد عليها؟

إنها نفس الأسئلة الحائرة التى يطرحها أصحاب الرأى بعد كل حادث إرهابى يؤلمنا هذه الأيام.. وتكررت هذه الأسئلة بشدة عقب جريمة تفجير الكنيسة البطرسية.. دون أن ينتبهوا إلى أن التكفير ثابت والتفجير متغير.. ولو تغيرت وجوه القتلة ووجوه الضحايا فإن الدوافع والأصول والأفكار وطرق التجنيد والتجهيز ثابتة.

لكن.. الغريب أن كنز الخبرة الذى فتح لنا أبوابه عادل عبدالباقى ظل حبيس شريط الفيديو التليفزيونى دون أن يجرؤ أحد على عرضه على الناس.. على أننا لم نتردد فى نشر كل ما فيه على صفحات «روزاليوسف» يوم السبت 26 مارس 1993 دون حذف أو تلخيص.. وما إن قرأ الرئيس مبارك ما نشرنا حتى طلب من وزير الإعلام صفوت الشريف بث الشريط متعجبا من إخفائه.. وقد كان.

على أن لا أحد استفاد من تلك الخبرة.. لا أحد أخذها بجدية.. فلم نجد من يرد على شيوخ التطرف.. ولم نجد مناهج تعليمية متطورة تنسف البيئة الحاضنة للعنف.. ولم نجد إيمانا حقيقيا بالمواجهة فى الأزهر والصحف والفضائيات ووزارات التعليم والثقافة والحكم المحلى مكتفين ببيانات العزاء بين فواصل المسلسلات وبرامج الثرثرة التى تكلم نفسها فى حالة نادرة من النرجسية.

نشأ عادل عبدالباقى فى أسرة متواضعة.. تعيش فى الفيوم.. الأب عامل.. لا يكفى دخله لتربية سبعة أبناء:

كنت طالبا متفوقا فى الصف الثانى الثانوى.. مميزا بين زملائى.. أهتم بالنشاط الرياضى والفنى.. وفى إجازة صيف عام 1977 التحقت بصالة ألعاب تتبع جمعية خيرية إسلامية يرأسها الشيخ عمر عبدالرحمن مفتى تنظيم الجهاد الذى أباح دم السادات واستقبلته الحكومة الأمريكية قبل أن تحكم عليه بالسجن مدى الحياة بجرائم إرهاب نفذت على أرضها.. ومنها محاولة اغتيال مبارك فى واشنطن.. ومحاولة فاشلة لتفجير برجى التجارة فى نيويورك.

كان يدرب عبدالباقى طالب فى المعهد العالى للتربية الرياضية اسمه عماد خليفة نجح فى تجنيده وأخذه معه إلى مساجد الجماعات فى القاهرة.. ومنها مسجد فاطمة الزهراء فى حى الساحل.. وهناك أمدوه بالكتب التى تدخل على عقل فارغ دينيا فتضع أسس التفكير المؤدى إلى التكفير بما يصعب محوه إلا بمعجزة.

أذكر أول كتاب قرأته كان كتاب أبو الأعلى المودودى «المصطلحات الأربعة» الذى يتحدث عن الأصول الأربعة التى على المسلم صيانتها ومنها الجهاد.

وبعد أن حفظت ذلك الكتاب أصبح عندى يقين أننا لا نعيش فى مجتمع إسلامى وإنما فى مجتمع كافر يحكمه نظام كافر ووجب علينا قتالهما وتغييرهما بالقوة مهما سقط من ضحايا.

لكن الكتاب الأخطر.. كتاب سيد قطب «معالم فى الطريق».. كتاب انقلابى.. يدعو إلى تغيير النظام والمجتمع بالقوة بعد تكفيرهما.. فهما يعيشان فى حالة جاهلية.. يوجب معها قتالهما حتى يشهرا إسلامهما من جديد.

وكان هناك كتاب ثالث هو «الحكم الجديرة بالإذاعة» لابن رجب الحنبلى الذى استخدم مدخلا لفتاوى السطو والنهب والاستحلال بدعوى أن الله أباح للنبى سليمان عرش بلقيس بكفرها.

تستند تلك الفتاوى على حديث للنبى (ص) يقول: بعثت بالسيف بين يدى الساعة وجعل رزقى تحت ظل رمحى وجعل الذلة والصغار على من خالف أمرى.

ومحصلة تفسير الحديث كما يقول الكتاب أن الله خلق المال لكى يستعين به المسلمون على طاعة الله فإذا أخذ المشركون هذا المال واستعانوا به على معصية الله وجب على المسلمين سلبه منهم ليردوه إلى أصحابه الأصليين.

بتلك الكتب أصبح عادل عبدالباقى مفكرا جهاديا قادرا على تجنيد وتوجيه رءوس العمليات العسكرية مثل خميس مسلم وعصام القمرى ومحمد سعد وهى عناصر برزت فى جرائم السطو على محلات الذهب والاعتداء على جنود الأمن المركزى ومحاولات اغتيال كبار المسئولين والمفكرين.

■ هل عجزت المدرسة عن حمايتك من الأفكار الخاطئة؟

- فى هذا الوقت شعرت أن الدين فى المسجد وأن ما نعرفه فى المدرسة لا يشبعنى دينيا فى سن المراهقة.

■ وأسرتك؟

- كان كل همها أن أحافظ على الدراسة.. ورغم أن والدى كان يقرأ ويكتب إلا أنه لم يتدخل فى أمورى الخاصة.

بدأ عبدالباقى يقرأ الكتب التى تتناول موضوعات الإله والرب والدين والعبادة.. وحسب ما أضاف فإن خلاصة الأمر: إننى خرجت من الكتب بأن الدين المتعارف عليه بين الناس غير الدين الذى تتحدث عنه هذه الكتب التى غيرت كيانى كله.. كل ما كنت أتصوره من قبل وضع مكانه تصور بديل له تماما.

استقرت رؤية عبدالباقى عند حدود الشرك بالمجتمع غير الإسلامى الذى يعيش فيه وآمن بتغييره بالقوة هو والنظام الكافر القائم سواء فى مصر أو العالم.

وبدأ عبدالباقى ينقل للشباب فى الفيوم ما خرج به من هذه الكتب التى لا تزال متداولة ونجح فى تكوين خلايا راحت تتكاثر مثل السرطان.

■ هل يمكن لأى شخص يقرأ كتابين أن يتحول إلى داعية؟

- فى الحقيقة كنا نقرأ ولا نجد أحدا يصحح لنا المفاهيم وفى نفس الوقت أغلقنا على أنفسنا واعتبرنا أى داعية جزءا من النظام وأعطيناه ظهرنا.

فى حملات اعتقالات سبتمبر 1981 وجد عبدالباقى نفسه فى السجن وأودع زنزانة واحدة مع شوقى الشيخ الذى أسس جماعة الشوقيين وعبد الله السماوى الذى أسس كثيرا من التنظيمات المتطرفة وكان اتباعه يسرقون السيارات ويبيعونها قطع غيار ولجأ إليه خالد الإسلامبولى طالبا النصيحة قبل أن يقدم على اغتيال السادات.

قبض على عبدالباقى بعد أن حرض على قتل المسيحيين واستحلال أموالهم وتفجير كنائسهم.. ولكنه عندما دخل السجن وجد كثيرا من الأفكار الخاطئة فى انتظاره لكى يتعلمها ويصدقها ويؤمن بها وينفذ وصاياها.

إن نظام السجون الذى يضع أصحاب الاتجاه الواحد فى مكان واحد وراء القضبان نظام فى حاجة إلى تغييره.. فهم يجدونها فرصة لتبادل الخبرات وتثبيت الأفكار واختيار قيادات غير مكشوفة والتوصل إلى أساليب جديدة فى العمليات لا يعرفها الأمن.

إن سنوات السجن غالبا ما تكون نوعا من تثبيت العقائد الخاطئة وفرصة لسد الثغرات فى التنظيمات القائمة وكأنها سنوات للدراسات العليا فى الإرهاب.. فقد أضيف للكتب الثلاثة السابقة مراجع أخرى للتثبيت منها مجموعة التوحيد والجزء (28) من فتاوى ابن تيمية.. وأصبح عبدالباقى الطالب الذى لم يحصل على الثانوية العامة فقيها ومرجعا ومفتيا.

لقد تعلم عبدالباقى من السماوى فى شهور الاعتقال أن المدارس والجامعات ووظائف الحكومة حرام.. فالنظام مثل الآلة لو دخلت موظفا فيه ستصبح ترسا يقويه والمطلوب تقويضه وانهياره.. وقد عرف عن السماوى أنه كان يصدر الشباب المتطرف لكل التنظيمات السرية فى مصر.

أكثر من ذلك بدأ عبدالباقى فى تكفير عائلته لدرجة أنه كان يرفض زيارات أمه له وهو فى السجن.

■ لكن.. كيف يعيشون والعمل حرام؟

- يجيب عبدالباقى: كنت أشعر أن الإخوة أهلى.. فيه أموال نعيش منها.. ملابس وأكل وكتب وتنقلات ومصاريف زواج.. طبعا كنا ننفق من الذهب الذى نسرقه.. وكانت هناك مصادر أخرى.

■ ما هذه المصادر؟

- دعونى أقول شيئا عرفته باليقين.. رءوس الجماعات هم المستفيدون سواء عبدالله السماوى أو عمر عبدالرحمن أو رفاعى سرور أو الإخوان المسلمون الذين إذا ما حدث تفجير يصدرون بيانا فى الصحف للشجب.. هؤلاء بأنفسهم كانوا يدفعون لنا الفلوس.. وكنت مرة عند رفاعى سرور الذى يعتبر المرجع الأصلى لجماعات الجهاد فى مصر فوجئت بأن م. ن محام من الإخوان يحتل منصبا نقابيا مهما أعطاه شيكا بـ250 ألف جنيه لينفق منها على الإخوة المعتقلين.. وفى مرة أخرى ذهبت لصاحب شركة مقاولات وتوظيف أموال فى مصر الجديدة اسمه أ. ع فأعطانى 2000 جنيه وقال لى: استعن بها على طاعة الله وهو يعرف تماما أننى من جماعات التكفير.. هذا الرجل نفسه الذى كان يوزع الأظرف المعبأة بالأموال على أسر المعتقلين.

وبتأهيله فى السجن أصبح عبدالباقى مسئولا عن غسل مخ الأعضاء الجدد وكان قادرا على ضم عشرات من الشباب شهريا يدفعهم للقتل دون أن يلوث يديه بدماء الضحايا ودون أن يقدم فى جناية واحدة وهو ما ضاعف من خطورته.. فالمحرض هنا أشد لعنة من المنفذ خاصة إذا ما نجح فى تجنيد عشرة آلاف مقاتل.. فالفكر أول الطريق للرصاص.

وحسب ما قال: كنا نذهب إلى مناطق معينة بها شباب مهيأ لقبول الدعوة ويتميز بالجهل ولا يملك خلفية شرعية أو دينية.. يقتنعون بسهولة بما نقول ويصدقونه بلا تردد.. وبدأنا بصيادين فى بحيرة قارون.. وأعلناها منطقة مغلقة.. وقررنا إطلاق النار على من يدخلها.. فلم يقترب منها أى أحد من الدعاة..فهم موظفون يأكلون عيشهم من الدين مثلهم مثل غيرهم.. وكثيرا ما نجحنا مع جماعات من الصغار أقنعناهم بترك بيوتهم وبلادهم ومدارسهم وكلياتهم ومعسكراتهم ليتبعونا.. ووجدوا فينا ما يغرى بتقليده.

وفى ذلك الوقت بدأ التفكير فى الهروب من الأمن بالذهاب إلى العريش.. وبالفعل سافرت مجموعة صغيرة إلى هناك أغلب الظن أنها كانت خميرة التنظيمات التى كبرت وتوحشت فى شمال سيناء.

ووصل شعور عبدالباقى بذاته حد تكفير عمر عبدالرحمن شخصيا ورغم ذلك استخدم اسمه فى تجنيد أتباعه قبل أن يكتشف الشيخ الضرير ذلك.

■ لم تكره عمر عبدالرحمن هل هناك واقعة تبرر ذلك؟

- وقائع.. لا واقعة واحدة.. كنت معه فى مستشفى ليمان طرة لمدة شهرين.. وجدته يسلك مسلكا يستحى اللسان ذكره.. كانت زوجته مدرسة إنجليزى درست لى فى الثانوى فوجئت به يتزوج فى السجن.. كان أمرا مستغربا بيننا.. وعندما جاورته فى عنبر المستشفى وجدت أتباعه يصنعون له من البطاطين ساترا تدخل إليه زوجته.. كنت صغيرا.. وأحسست أن هذا الأمر يتنافى مع إنسان لديه مروءة.

ثم إننى كنت أسأله فيرد بلا دليل ويقول لى: أنت عيل صغير لن تفهم الدليل.. كان أتباعه يتعاملون معه بلا نقاش.. لدرجة أننى فوجئت به فى السجن يأمرهم بصيام 60 يوما للتكفير عن قتل ضباط وجنود الأمن خطأ فى أحداث أسيوط يوم 8 أكتوبر 1981.. أمرهم الشيخ بالكفارة.. يكفى الصوم للتخلص من ذنب الدم.. وكأن أرواح الناس لعبة.. إنه مفتون بالزعامة.. يحكمه هوى وليس دينا.. به صفة من صفات الشيعة.. إثبات العصمة لنفسه دون حجة على التكليف.

لكن.. عمر عبدالرحمن فى الحقيقة كان فى حياته الخاصة أفضل من غيره.. فعلى الأقل تزوج شرعا.. على خلاف حالات أخرى استباحت فيها التنظيمات المتطرفة ما حرمه الله.

يقول عبدالباقى: تركت الفيوم على توبة من السرقة وسافرت إلى المنصورة والشرقية وعشت عند زملاء عرفتهم فى السجن.. وفوجئت بأننى أعامل معاملة خاصة تجعلنى أحل المشاكل.. كان هناك أميران: نسيم التابعى الذى ترك دراسته فى كلية العلوم وعصام الضو الذى لم يحصل على شهادة متوسطة.. وكنا نحن الثلاثة نقضى فى مسائل الجماعات المنتشرة فى الوجه البحرى.

ويضيف: هناك حاجات غريبة.. ممكن أى واحدة تختلف مع زوجها لو فكر فى إلحاق أطفاله بالمدرسة.. فنعقد جلسة صلح.. ونعتبر الزوج كافرا.. ونفرق بينه وبين زوجته.. وبناء عليه كانت هناك سيدات متزوجات وهن على ذمة أزواجهن الأولين.

كمثال: كانت هناك سيدة موظفة فى إنشاص.. متزوجة.. تركب سيارة أجرة إلى عملها.. صادفت سائقا ملتحيا يرتدى جلبابا ويقول للناس أزيك يا أخى ويستشهد بالآيات والأحاديث فى كلامه.. تعرف على هذه المرأة.. وأحضر لها كتابا وبدأ يدعوها للفكر الذى عليه قائلا: تعالى معنا لتعرفى الإسلام.. وبالفعل أخذت طفلتها وذهبت مع هذا الرجل الذى كان من مؤسسى جماعة التكفير فى مصر.. كان اسمه عبدالمنعم عسكر.. تركت المرأة زوجها وعاشت مع السائق على أنه زوجها.. فقد أفتى لها أن زواجها الأول حرام لأن زوجها كافر.. وأنجبت من الثانى طفلا.. وبعد سنتين اختلف السائق مع الجماعة فكفروه وطردوه وخيروها ما بين البقاء معهم أو الرحيل معه.. فقالت: مادام كافرا أنا معكم.. ففرقوا بينها وبينه.. وتزوجت للمرة الثالثة.

■ ما نظام الزواج فى الجماعات؟

- كنا نعتقد أن الزواج إيجاب وقبول أما مسألة التوثيق فلم نكن نهتم بها باستثناء البعض الذى يريد تجنب سؤال الأمن عمن تعيش معه.

■ هل أمير الجماعة هو الذى يحدد هذه المسألة؟

- حسب الظروف التى يمر بها كل شخص.

كان الزواج أيضا وسيلة لدعم التنظيمات فقد تزوج عبدالباقى من عائلة السماوى ليضم أعضاء منها إلى تنظيمه.. لكنه.. سرعان ما أحب زوجته.. ويحوط عليها حسب تعبيره.. ويمنعها من الاختلاط بالجماعات التى اعتبرت ذلك نقطة ضعف فى إيمانه.

على أنه شعر بأن ما حدث للمرأة التى كانت على ذمة ثلاثة رجال أمر منافٍ للفطرة البشرية.. وسأل نفسه: هل يقبل هذا على زوجته؟ كان فى حيرة من أمره.. ونظريا لم يقبل به.. واكتفى بإبعاد زوجته:

ثم حدثت أكثر من واقعة زلزلتنى.. كان هناك شخص اسمه عبدالله من بلد فى السنبلاوين طلب منى مراجعة دخول الأولاد المدارس التى اعتبرناها كفرا.. قال: نتأكد.. وأضاف: الرسول فى غزوة من الغزوات قرر عتق الأسير الذى يعلم عشرة من أبناء المسلمين.. فكان ردى: يا عبدالله هذه مسألة فردية والمدارس هذه الأيام علمانية.. المهم دخل أولاده المدرسة.. وعقدنا جلسة.. فقال الإخوة إن عبدالله كفر.. وفرقوا بينه وبين زوجته.. وتبع ذلك أمر لا يخطر على بال الشياطين.. بعد أربعة أيام تزوجت هذه المرأة من شخص اسمه عبدالعزيز.. دون أن تقضى فترة العدة.. بدعوى أن عبدالله لن يترك زوجته ببساطة وعلينا أن نجعلها فى حماية أحد الإخوة.

■ ألم تعترض؟

- جهلة.. قالوا إنهم ذهبوا بها إلى طبيب تأكد أنها ليست حاملا.. قلت: هذا أمر يصطدم بنصوص القرآن والأحاديث وحتى مع العقل.. أنا برىء من هذا الفعل.

لكن الغريب أن عبدالله فيما بعد طلب زوجته وأولاده بعد أن أخرج أبناءه من المدرسة.. فعقد الأخوة جلسة.. وأعادوها إليه.

■ ما العمليات التى قمت بها؟

- منذ عام 1981 وأنا لم أحمل بندقية.. لكن.. كل الذين نفذوا العمليات تلاميذى.. أنا لم أحمل بندقية ولكن فكرى دفع الناس ليحملوها ويطلقوها.

كانت التصرفات غير الأخلاقية سببا مباشرا فى أن يعيد عبدالباقى النظر فى سلوكيات التنظيمات التى تسرق وتقتل وتخلط الأنساب.. إنهم مرضى.. لم يجدوا من يعالجهم.. بل هم مجرمون.. هذا تعبير له معنى مختلف إذا صدر عنى.. بعكس ما يقوله صحفى أو سياسى.. أنا رأيت الكثير تحت النقاب.

لكنه.. كان يرتبط بتجارة معهم ويعيش فى شقة لهم وقد أخرجوه منها ليجد نفسه بين نارهم ونار الأمن فراح يبحث عن مكان بعيد يعيش فيه.. سافر إلى بورسعيد ليلقى شخصا عرفه فى السجن وهو أكبر رأس فى الجماعات هناك اسمه الشيخ سعيد أبو عبده.. شرح له ظروفه ووضعه فنصحه بالسفر إلى الخارج.. وسهل له ذلك بأوراق مزورة بجانب توفير المصاريف اللازمة.. قدم له 700 جنيه ليجهز نفسه للسفر إلى بيشاور.. لكن.. زوجته رفضت أن يتركها هى وأولادهما.. وبقى شهورا يكلم نفسه.. لا عمل.. لا سكن.. لا قدرة على طلب المساعدة من الأمن.. كل الأبواب أغلقت فى وجهه.

■ ما الذى قلب موقفك من الضد إلى الضد؟

- عندما تأكدت أن الناس التى تزعم الإسلام كاذبون انكشف الغطاء أمامى.. بدأت أشعر بإحساس الإنسان العادى.. كلما حدث انفجار أضع ابنتى فى مكان الضحايا.. قد يهيأ للناس أننى بلا مشاعر.. فى أى حادث كنت أتصور ابنتى فيه.. كانت هذه الأمور تسبب لى قلقا نفسيا.

تخيل عبدالباقى صورة ابنته مكان صورة شيماء.. وشيماء كانت تلميذة فى مدرسة المقريزى قتلت بشظايا قنبلة ألقيت على موكب رئيس الحكومة وقتها الدكتور عاطف صدقى.. بدأ قلبه يؤلمه لأن له يدا فيما يحدث ولو بطريقة غير مباشرة.

ويضيف: سأتحدث عن مثال كان من أهم الأسباب التى جعلتنى أشعر أننا مجرمون.. كان هناك ضابط أمن دولة فى الفيوم.. المقدم أحمد علاء الذى قتل.. كان يعرف أننى أكفره.. لكنه تعامل معى كإنسان.. شعر أننى فى وضع حرج جعلنى لا أجد سواه ألجأ إليه.. قال: إنه يريد أن ينتشلنى مما أنا فيه وطلب أن أساعده ليساعدنى.. كان يعرف أننى أكفره ويرسل لى ملابس للأولاد.. وفوجئت بأنه قتل.. وتذكرت أولاده.. خاصة أن ابنتى فى عمر ابنته.. كان شهما معى وفى الوقت نفسه قتله واحد من تلاميذى.. شعرت بأننى القاتل.. وقلت يا رب هل تغفر لى؟ شعرت أن كل أمر يحدث شاركت فيه.. وقررت التوبة.. ولكن من شروط التوبة أن أعرف الناس بحقيقة الذين يقتلونهم.. إنهم مجرمون ولصوص وقتلة.

وبالصدفة وقع كتاب «فقه السنة» للشيخ محمد الغزالى أمامى وتوقفت عند موقف النبى (ص) من الكفار إنه صلوات الله عليه لم يستحل أموالهم فبدأت أعيد النظر فى فتوى الاستحلال.

قرر عبدالباقى أن يخرج إلى الناس ليكشف المستور عما يحدث فى هذه التنظيمات.. ذهب إلى الصحافة.. العدو الأول لهم.. ولم يتردد فى أن يكشف كل ما يعرف أمام الكاميرات بالصوت والصورة.

■ هل تظن أن العمليات الإرهابية تفيد جهات أجنبية؟

- أولا المستفيد منها لا شك غير مصريين لأن هدف ضرب السياحة إضعاف النظام فى حين أن المستفيد من السياحة سائق تاكسى أو عامل فى مطعم وغيرهما.. أكل عيشهم.. كما أن استحلال محلات ذهب الأقباط وتفجير كنائسهم يهدف إلى إثارة الفتنة الطائفية وخلخلة وحدة الأمة وإدخال النظام فى حالة من الضعف والتناقض.

وفى نفس الوقت عندما نقوم بأى تفجير فإن من يضار فيه أفراد ليس لهم ذنب.. لكن.. هذه التنظيمات بلا قلب وبلا ضمير.. ينفذ أعضاؤها ما يكلفون به.. بعض الشباب يعتقد فى صحة ما يفعل.. لكنه.. لم يجد شخصا يساعده على الفهم الصحيح.. طبعا هناك من يستفيد مما يحدث.

■ لكن ماذا نقول لشخص يفجر نفسه؟

- هنا لا يمكن أن نتحدث عن دور الأمن.. هذا دور الشيخ.. أنا لم أجد رجل الدين الذى يقول لى إن ما قرأته خطأ أم صواب؟.. مصر مليئة بالمساجد.. ولكن.. لا أحد يقوم بدوره فيها.. إما أن نوجد هذا الشيخ او نغلق المساجد.. وإغلاق المساجد أهون من أن يقف مواطن مع ابنته أمام فاترينة ثم يفاجأ بقنبلة تنفجر فيهما.. هذا الانفجار خرج من المسجد.. وكتب التكفير طبعت فى مطابع مصرية.. وألفها ناس بيننا.. ودور العلماء أن يفندوا هذا الفكر.

أنا لست على ثقة بالمشايخ لأنهم سبب 80% من المشاكل الموجودة.. يعرفون كتب التكفير ويتركونها.. هم الذين تركوا الساحة خاوية.. كل منهم يمسك ورقة ويمضى فى الطرقات يتحدث عما ينهى الإسلام عنه.. فهل ناقشوا الفكر.. وتكلموا الحجة بالحجة؟

إننى عندما عدت وتبت لم يساعدنى شيخ أو ضابط.. عدت بنفسى لنفسى.. بعدما أدركت الخطأ.

■ ما الذى ساعدك على العودة؟

- أنا كنت إنسانا مثقفا.. اقرأ فى أشياء كثيرة غير الدين.. بدليل أننى كنت أشاهد التليفزيون.. لم أكن غليظا.. مشكلتى أننى أحضرت كتبا وفهمتها خطأ.. ولم يصحح لى أحد.. وأى شخص يتكلم عن قوافل الدعاة أقول له: إن الدعاة لم يأتوا ليناقشونا وإنما تعالوا علينا وتعاملوا معنا على أننا تلاميذ يجب أن نسمعهم ونصدقهم وإلا دخلنا السجن أو دخلنا جهنم.

لا أحد من الدعاة توقف عند حالة طفل صغير يدخل المسجد ويتربى فيه إلى أن يصبح شيخا أو صانع قنبلة ويترك كلية العلوم ليبيع جوارب فى السوق أو يترك مركز اخصائى جراحة ليصلح ساعات.. أتحدى أن يفسر الدعاة مثل هذه النماذج.

وقبل أن تطفأ الكاميرات جاءت كلمات عبدالباقى الأخيرة: أنا لى تعليق أوجهه إلى الناس جميعا.. لا أحد يستصغر موقعه.. أى واحد فى الشارع أو فى المسئولية له دور يجب أن يمارسه.. أى شخص يجب أن يساهم فى رفع هذه الغمة عن مصر.. مشاركة.. مش كل واحد يسيبها على الأمن.. أنا أشعر بأشياء لا يعرفها أحد غيرى.. مثلا كنت أبحث عن شقة وفوجئت بالسمسار يأخذ منى 50 جنيها ويعطينى سكنا دون أن يعرفنى أو يسأل عنى.. والطريف أننى كنت أركب تاكسى بعد تفجير قنبلة فى أحد البنوك وفوجئت بضابط فى الكمين ينظر داخل السيارة.. الله.. هو الإرهابى له شكل مميز.. مكتوب على وشه إرهابى.. إن علينا أن نتصرف دون النظر لمواقعنا لو شعرنا بتصرف غريب يجب أن يكون لنا دور فيه.. هذا بلدنا نحن.. لو أضير سنضار معه.

صوت: سأتوب.

انتهى أهم ما جاء فى الحوار.

صحيح أن الحوار جرى منذ سنوات طوال.. لكن.. صحيح أيضا أنه لا يزال صالحا للاستفادة منه.. بل.. ربما استفدنا منه أكثر مما نتصور.. فالإرهاب هو الإرهاب.. يقوم على أسس ثابتة وإن تغيرت الأسماء والتواريخ والأحداث.. لا تزال مصادر التكفير والتجنيد والتمويل والتنفيذ كما هى وإن تغيرت المواقع.. لا تزال المواجهة قاصرة على الأمن وحده.. لم تمتد إلى الثقافة والعمامة والكلمة واللقطة والمدرسة والجامعة والمحكمة.

ادرسوا خبرة عادل عبدالباقى جيدا.. فهو شاهد.. مشارك.. ذهب إلى النار بقدميه.. وعاد إلينا ليكشف كل أسرار الجحيم.

استعيدوا الذاكرة المفقودة حتى لا نلدغ من حجر الثعبان ألف مرة.