مرضى "الهيموفيليا".. الموت من نقص الدواء و"فقر الجيوب".. (تحقيق)

تقارير وحوارات

طفل مريض- صورة أرشيفية
طفل مريض- صورة أرشيفية



رئيس صحة البرلمان: لهم الله.. وننتظر حل أزمة الدولار لتوفير الدواء
الحق في الدواء: حذرنا من تهاون الدولة في علاج 16 ألف مريض بـ"الهيموفيليا"
مريض: الدولة لا توفر لنا العلاج.. ونحتاج لـ 30 ألف جنيه كل 6 شهور
آخر: نفقد أطرافنا على مرآى ومسمع من المسؤولين بالدولة


جسد من زجاج..أجسام متهاوية وضعيفة تنهمر منها الدماء بدون توقف.. وبتر لأعضاء من الجسد..ذلك الحال الذي يعيشه ومُهدد به 16 ألف مصري يعانون من مرض "الهيموفيليا" وسط إهمال تام من الدولة، سواء في معالجة المرضى أو توفير سُبل الراحة لهم.

التعريف بالمرض:

في البداية قام حسين السعيد، استشاري أمراض الدم، بتعريفنا بمرض الهيموفيليا قائلاً إنه يعني سيولة الدم، وهو أحد أمراض الدم الوراثية الناتجة عن نقص أحد عوامل التجلط في الدم، مما يجعل المريض يعاني من النزيف لمدة أطول.

أنواع الهيموفيليا:

وعن أنواعها يقول: تصنف الهيموفيليا إلى ثلاثة أصناف تبعًا لعامل التجلط الناقص في كل حالة: هيموفيليا (أ): ناشئة عن نقص عامل التجلط رقم 8، وهي الأكثر شيوعًا، ولذلك تسمى «الهيموفيليا الكلاسيكية».

هيموفيليا (ب): ناشئة عن نقص عامل التجلط رقم 9، ويعد الأكثر انتشارًا في الوطن العربي.

هيموفيليا (ج): ناشئة عن نقص عامل التجلط رقم 11، وهي أقل أنواع الهيموفيليا شيوعًا.

- أسباب الهيموفيليا:

وأضاف السعيد لـ«الفجر» أن سبب الإصابة بالهيموفيليا يرجع إلى حدوث اضطرابات في الجينات المسؤولة عن تصنيع معاملات التجلط في الدم، سواء كان الاضطراب في الجينات الموروثة من أحد الوالدين، أو بسبب حدوث طفرات جينية أثناء تكوين معاملات التجلط لدى الطفل.

أعراض الهيموفيليا:

وعن أعراض المرض يقول استشاري أمراض الدم، إنه في بعض الأحيان يكون المرض من الدرجة الخفيفة أو المتوسطة، بحيث لا تظهر أعراضه إلا عند تدخل جراحي مثل خلع الأسنان، مضيفاً أن الأعراض الظاهرة تكون: «حدوث نزيف في أي جزء من أجزاء الجسم، سواء الظاهر أو الباطن، خاصة في العضلات والمفاصل، سقوط الطفل المتكرر أثناء الحبو وإصابته بكدمات زرقاء ونزف في المفاصل خاصةً الركبتين، تليف وتيبس في المفاصل، بسبب تكرار نزيف المفاصل، ما يؤدي إلى حدوث التهاب في مرحلة ما بعد النزف، وضعف في العضلات، نتيجة حدوث التهاب في مرحلة ما بعد النزف، وبعد سنوات قليلة يصبح الطفل ذو إعاقة حركية، وعند سن البلوغ قد يحتاج عملية لتغيير المفاصل ما لم يتلقَ العلاج المناسب منذ بدء تشخيص المرض في مرحلته المبكرة».

المعرضون للإصابة بالهيموفيليا:

وعن المعرضون للإصابة بالهيموفيليا يقول السعيد، إن المرض  يصيب كل الجنسيات والألوان، ولكن معظم أشكال الهيموفيليا الشديدة تصيب الذكور فقط.

موضحاً أن إصابة الإناث بالنوع الشديد من المرض، تحدث فقط إذا كان الأب مصابًا بهذا المرض والأم حاملة له، مشيرًا إلى أنه شيء نادر الحدوث، ومع ذلك فإن العديد من النساء الحاملات لهذا المرض تظهر عليهن أعراض طفيفة لمرض الهيموفيليا.

- أزمات مرضى الهيموفيليا..«شهادات مرضى»

وبعد التعرف على المرض تواصلت «الفجر» مع مرضى الهيموفيليا لرصد معاناتهم فقال محمد أبو حجر، أحد مرضى الهيموفيليا، إن مرض الهيموفيليا يحرمهم متعة الحياة سواء عندما كانوا أطفال او بعدما أصبحوا في ريعان شبابهم، موضحًا: «المرض صعب الحياة عليا أوي مكنتش عارف استمتع بطفولتي لخوف أهلي عليا من أي جرح صغير لأنه ممكن يسببلي أزمات كتير، لما كبرت مكنش عندي فرصة أمارس حياة طبيعية زي باقي البني آدمين».

وأكد أبو حجر، أن مرضى الهيموفيليا لهم طريقتين في العلاج، الأولى وقائي تكون عن طريق الحقن بجرعتين من «الڤاكتور» العلاج الآمن الوحيد للهيموفيليا بدلاً من البلازما التي تصيبهم بڤيروس سي، مشيراً إلى أن الجرعة الواحدة من الڤاكتور يصل ثمنها لـ1200 جنية، والطريقة الثانية هي الحقن عند حدوث نزيف.

وأكد محمد أبو حجر، أن مشاكل مرضى الهيموفيليا مع الدولة تتلخص في أربع أزمات، «الأولى عدم توافر العلاج اللازم لهم، موضحاً أن الدولة لا يوجد بها علاج لمرضى الهيموفيليا منذ 6 أشهر، والثانية تعديل قرار العلاج على نفقة الدولة ليغطى تكاليف علاج فاكتور، متابعًا:«80% من المرضى لا يخضعون للتأمين الصحى، كونهم ليسوا موظفين فى الدولة، أو طلبة فلابد من مراجعة بنود صرف العلاج على نفقة الدولة، ولا يعقل أن يحتاج المريض 30 ألف جنيه فى الـ 6 أشهر وقرار الدولة 2500 جنيه فلم يصل حتى إلى 50%، وما يحدث معنا يعد تهريجاً".

واستكمل: " مريض الهيموفيليا يحصل على علاجه وفقاً لوزن الجسم بمعدل 20 وحدة لكل كيلو جرام، فصاحب وزن 70 كيلوجراماً يكون عدد وحدات علاجه فى الجرعة الواحدة 1400 وحدة فاكتور وده مابيحصلش فى مصر، احنا بناخد الحقنة الـ 500 وحدة واللى ثمنها 1200 جنيه"، مناشدًا المسئولين بتعديل قرار العلاج على نفقة الدولة ليصبح بدون سقف أو تحويل كل مرضى الهيموفيليا إلى التأمين الصحي كونه يقدم العلاج وفقاً لاحتياج المريض دون الارتباط بمبلغ محدد».

وأضاف: «والمشكلة الثالثة في عدم إدراج وزارة الصحة لڤاكتور 9 لعلاج النوع الثاني من الهيموفيليا حيث أنه غير مسجل بإدارة الصيدلة بوزارة الصحة، والأزمة الرابعة هي عدم وجود توعية طبية، ففي الأقاليم الأطباء يجهلون مرض الهيموفيليا ويقومون بتشخيص مرضاه بالخطأ مما يتسبب في إيذائهم أكثر، ولدينا الكثير من الحالات التي حدثت لها مضاعفات بسبب ذلك الجهل الطبي بالهيموفيليا».


اتهام للدولة
وفي شهادة أخرى اتهم احمد علي الجبري، طالب بجامعة الأزهر، الدولة بأنها السبب في فقدان ساقه، حيث أنه تم بترها بسبب عدم وجود علاج لمرضه، قائلاً: «أنا فقدت ساقي بسبب نقص الڤاكتور وضاعت حياتي ومستقبلي..فبالرغم من علم الدولة بصعوبة حياتنا وبدلاً من أن تساعدنا على التعايش قضت على الجزء المتبقي في حياتنا».

وتابع: «نحن مرضى الهيموفيليا انتظرنا أن توفر لنا الدولة الڤاكتور لحمايتنا من الهيموفيليا ولكنها لم توفره، ثم انتظرناها لتوفر لنا الكرايو أو البلازما من بنوك الدم، كبديل الڤاكتور وبالرغم من أنه عرضنا للإصابة بفيروس سي إلا أننا تحملنا لأنه علاجنا الوحيد، إلا أن اختفى هو أيضاً، فنحن الآن نعاني من مرض خطير ليس لها علاج..أنا فقدت ساقي، وآخر فقد حياته وغيرنا الكثيرين وكل ذلك على مرأى ومسمع من الدولة».

وطالب الجبري الدولة بتوفير علاج لمرضى الهيموفيليا، ووظيفة تتناسب مع هؤلاء المرضى وبالخصوص من فقدوا أطرافهم بسبب تقصير الدولة في توفير العلاج، مؤكدا أن ڤاكتور منذ 6 شهور غير متواجد بالصيدليات أو التأمين الصحي.

صحة البرلمان: لهم الله

ومن جانبه أرجع مجدي المرشد، رئيس لجنة الصحة بالبرلمان، سبب عدم توفر علاج مرضى الهيموفيليا إلى أزمة الدولار، وخاصة وأنه يستورد من الخارج .

وأشار المرشد في تصريح لـ«الفجر» إلى أن صحة البرلمان  ليس أمامها سوى انتظار حل أزمة الدولار، وعن تداعيات الانتظار على المرضى يقول: «لهم الله ونحن نحاول حل الأزمة بأقصى سرعة وليس أمامنا سوى ذلك».

الحق في الدواء: عجز وزارة الصحة السبب في تفاقم أزمات مرضى الهيموفيليا

فيما قال محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، إن مصر بها 16 ألف مريض مصاب بالهيموفيليا، والمرض لا يمكن التهاون به، خاصة أنه يؤدي إلى بتر الأطراف؛ نظرًا لعدم تمكن الأطباء من السيطرة عليه في حالة توقف العلاج، مشيراً إلى أن سبب تلك المضاعفات للمرضى هو تهاون الدولة في استيراد الأدوية الخاصة بالمرض وتحميل المرضى نتيجة ارتفاع سعر الدولار، دون وجود أي خطط أو آلية لسد العجز في الأدوية.

وتابع فؤاد في تصريح لـ«الفجر»: «حذرنا منذ فترة طويلة بأن التهاون مع المرض يؤدي إلى فقدان المرضى أطرافهم، لكن الدولة ووزارة الصحة لا تعطي للتحذيرات اعتبارا، وكل ما يهمهم زيادة أسعار الأدوية، التي أصبحت تمثل ضغطاً يهدد حياة المواطن المصري».